الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما القسم الخامس وهو أن يقر بأنها وديعة لأحدهما لا يعرفه بعينه فهي مسألة الكتاب ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يدعيا علمه .

والثاني : ألا يدعياه ، فإن لم يدعيا علمه ، فلا يمين عليه ويتحالف عليه المدعيان ، [ ص: 383 ] فإن نكلا أقر في يد صاحب اليد حتى يصطلحا ، وإن حلف أحدهما حكم به للحالف منهما وإن حلفا معا ففيه وجهان :

أحدهما : أنه يقسم بينهما .

والثاني : أنها توقف في يد صاحب اليد حتى يصطلحا ، وإن ادعيا علمه أحلف بالله تعالى أنه لا يعلم لمن هي منهما ، فإن حلف برئ وتحالف المدعيان ، فإن نكل فقد حكي عن أبي حنيفة أنه قال : أقسم الوديعة بين المدعيين وأغرمه القيمة فتكون بينهما ، وعند الشافعي : لا غرم عليه إن نكل ؛ ولذلك قال الشافعي : قيل لهما هل تدعيان شيئا غير هذا بعينه ؟ فإن قالا : لا ، أحلف ووقف ذلك لهما ردا على من زعم أنه يغرم القيمة لهما ؛ لأنهما ما ادعيا إلا وديعة عينها باقية ولم يستهلكها على أحدهما بالإقرار بها لغيره وكيف يغرم قيمة لا يدعيانها وما ادعياه كان لهما .

فإن قيل : فإحلاف المستودع لا يفيد على هذا القول شيئا ، لاستواء الحكم فيه إن نكل ؟

قيل قد كان بعض أصحابنا يذهب لأجل هذا إلى أن اليمين غير واجبة ، وذهب جمهورهم إلى وجوبها ؛ لأنها موضوعة للزجر وإن لم يتعلق بها غرم وقد يجوز إذا عرضت عليه اليمين أن ينزجر بها فيبين علما قد كتمه فعلم به ؛ فلذلك وجبت وإذا كان كذلك ولم يكن في يد المستودع بيان تحالف المدعيان ، فإن نكلا أقرت الوديعة في يد المستودع ، فإن حلف أحدهما قضي بها للحالف منهما وإن حلفا معا فعلى وجهين :

أحدهما : يقسم بينهما بأثمانهما .

والثاني : يكون موقوفا بينهما وهو ظاهر ، قاله الشافعي - رضي الله عنه - حتى يصطلحا عليها وأين توقف على وجهين :

أحدهما : في يد المستودع على ما كانت من قبل .

والثاني : تنتزع من يده ويقرها الحاكم في يد من يرضيانه ؛ لأن المستودع قد صار بالنكول والإنكار خصما .

التالي السابق


الخدمات العلمية