الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وقد كانت الغنيمة محرمة على من تقدم من الأنبياء وكانت تجمع فتنزل نار من السماء فتحرقها إلى أن أحلها الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي إلى أن قال : وأحلت لي الغنائم الحديث . فجعلها الله تعالى في صدر الإسلام ملكا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - خالصا دون غيره بقوله تعالى : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله [ الأنفال : 1 ] . والأنفال هي : الغنائم ؛ لأن النفل في كلامهم هو الزيادة من الخير ومنه صلاة النافلة ، وقاللبيد بن ربيعة :


إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي وعجل



فسميت الغنائم أنفالا لأنها زيادة مال مستفاد وفي السبب الذي نزلت هذه الآية من أجله ثلاثة أقاويل :

أحدها : أن أهل بدر شكوا في غنائمها فأنزل الله تعالى : يسألونك عن الأنفال [ الأنفال : 1 ] . ولم يعلموا حكم إباحتها وحظرها حتى سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها فأنزل الله تعالى : يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول [ الأنفال : 1 ] .

والثاني : أن شبان المقاتلة يوم بدر تسارعوا إلى القتال وثبت الشيوخ تحت الرايات ، فلما فتح الله عليهم قال الشبان : نحن أحق بالغنائم لقتالنا ، وقال الشيوخ : لا تستأثروا علينا فإنا كنا رداء لكم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية فيهم .

والثالث : أن من شهد بدرا من المهاجرين والأنصار اختلفوا وكانوا أثلاثا في الغنائم أيهم أحق بها ، فنزلت هذه الآية فيهم وجعلها الله لرسوله دونهم حسما لتنازعهم ، فقسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم على رأيه واجتهاده وأدخل منهم ثمانية لم يشهدوا بدرا ، منهم [ ص: 388 ] عثمان بن عفان وطلحة - رضي الله عنهما - ، أما عثمان فلتشاغله بتمريض زوجته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأما طلحة فلأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان أنفذه ليتعرف خبر العير وأبي سفيان ، ثم أن الله تعالى نسخ هذه الآية بقوله سبحانه : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل [ الأنفال : 41 ] الآية ، فلما أضاف الله تعالى مال الغنيمة إلى الغانمين ، ثم استثنى من خمسه لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن سمي معه أهل الخمس بقوله تعالى : فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل دل على أن الباقي من أربعة أخماسه ملك للغانمين كما قال تعالى : وورثه أبواه فلأمه الثلث [ النساء : 11 ] فدل إضافة المال إليهما على استثناء الثلث منه للأم يوجب أن يكون الباقي للأب ، ثم يدل على ذلك ما روي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - تارة موقوفا عليه ، وتارة مسندا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الغنيمة لمن شهد الوقعة " ، فصار مال الغنيمة مقسوما على خمسة وعشرين سهما ، خمسة منها لأهل الخمس وهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذوو القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، وفيه خلاف يذكر من بعد وأربعة أخماسه وهو عشرون سهما تقسم بين الغانمين لا يجوز أن يشاركهم فيه غيرهم ولا يفضل ذو غنى على غيره ، فهذا حكم مال الغنيمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية