الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما قول الشافعي في صدر هذا الباب أصل ما يقوم به الولاة من جعل المال ثلاثة وجوه :

أحدها : ما أخذ من مال مسلم تطهيرا له فذاك لأهل الصدقات لا لأهل الفيء ، والوجهان الآخران ما أخذ من مال مشرك وكلاهما مبين في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفعله فجعل نظر الإمام في الأموال مختصا بثلاثة أموال :

أحدها : ما أخذ من المسلمين من صدقات أموالهم تطهيرا لهم وهي الزكاة .

والثاني : ما أخذ من المشركين عنوة وهو الغنيمة .

والثالث : ما أخذ من المشركين عفوا وهو الفيء وكل واحد من هذه الأموال الثلاثة منصوص في كتاب الله - عز وجل - على وجوبه وجهة مصرفه وليس قيام الإمام به إلا قيام نيابة إلا أنه في الزكاة ينوب عن معطيها ومستحقها معا وفي الفيء والغنيمة ينوب عن مستحقها دون معطيها ؛ لأن نيابته عن المسلمين لا عن المشركين ، ثم إن أصحابنا اعترضوا على هذا الفصل من كلام الشافعي من وجهين :

أحدهما : قالوا : قد جعل الشافعي نظر الإمام مقصورا على النظر في ثلاثة أموال وقد ينظر الإمام في الموات وفي المعادن الباطنة ، والجواب عنه أنه إنما قد خص الأموال الثلاثة بنظره لاختصاص وجوبها لكتاب الله وتعين مستحقيها في كتاب الله وليس غيرها مساويا لها في هذين الحكمين فتميزت في نظره .

والاعتراض الثاني : أن قالوا : قد جعل الإمام مختصا بالولاية على الصدقات ، ولو أخرجها أربابها أجزاء فلم يكن يختص بالولاية عليها ، والجواب عنه أن يقال لهم : أما الأموال الباطنة وإن جاز لأربابها أن ينفردوا بإخراجها فولايته فيها على من امتنع من أدائها أن يأخذها منه جبرا ، فلو لم يكن له ولاية عليها لما اعترض عليهم في أخذها جبرا منهم وأما الأموال الظاهرة قولان :

أحدهما : أنه لا يصح من أربابها أن ينفردوا بإخراجها ، فعلى هذا تكون ولايته عامة على المعطي والممتنع .

والقول الثاني : أنه يصح منهم أن ينفردوا بإخراجها ، فعلى هذا تكون ولايته خاصة على الممتنع دون المعطي ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية