الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فالذي لا أشك فيه أن يعطى السلب من قتل مشركا مقبلا مقاتلا من أي جهة قتله مبارزا أو غير مبارز ، وقد أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - سلب مرحب من قتله مبارزا ، وأبو قتادة غير مبارز ، ولكن المقتولين مقبلان ، ولقتلهما مقبلين والحرب قائمة مؤنة ليست له إذا انهزموا ، أو انهزم المقتول وفي حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - دل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قتل قتيلا له عليه بينة " يوم حنين بعدما قتل أبو قتادة الرجل فأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك حكم عندنا ، ( قال الشافعي ) : ولو ضربه ضربة فقد يديه أو رجليه ثم قتله آخر ، فإن سلبه للأول وإن ضربه ضربة وهو ممتنع فقتله آخر فإن سلبه للآخر ، ولو قتله اثنان كان سلبه بينهما نصفين وهذا صحيح " .

قال الماوردي : إذا ثبت أن السلب للقاتل من أصل الغنيمة من غير تخميس فاستحقاق القاتل معتبر بأربعة شروط :

أحدها : أن تكون الحرب قائمة والقتال مستمرا ، فإن قتله بعد انقضاء الحرب وانجلاء الواقعة فلا سلب له .

والثاني : أن يكون المقتول مقبلا على الحرب ، سواء كان يقاتل أو لا يقاتل ؛ لأنه وإن لم يقاتل فهو رد لمن تقاتل ، فأما إن قتله وهو مول عن الحرب تارك لها ، فلا سلب له إلا أن يكون قد فر ، فيكون له سلبه ؛ لأن الحرب كر وفر ، لكن فرق بين أن يقتله من أمامه أو من ورائه في استحقاق سلبه ؛ لأن أبا قتادة قتل المشرك الذي أخذ سلبه من ورائه .

والثالث : أن يكون القاتل في قتله مغررا بنفسه إما بأن يقتله مبارزة أو غير مبارزة ، وإذا خرج القاتل عن صفه فغرر ، فأما إذا قتله من الصف بسهم رماه فلا سلب له .

[ ص: 398 ] والرابع : أن يكون المقتول ممتنعا بسلامة جسمه حتى قتل ليكون في القتل كف لشره ، وأما إن كان قد صار بجراح قد تقدمت غير ممتنع فسلبه لمن كفه ومنعه دون من قتله ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى سلب أبي جهل ابن عفراء دون ابن مسعود وإن كان هو القاتل ؛ لأنهما صرعاه فجرحاه وكفاه عن القتال وصفة الكف الذي يتعلق به استحقاق السلب أن يجتمع شرطان :

أحدهما : أن يناله من الجراح ما يعجز معه عن القتال فيصير به مكفوف الشر ، وسواء قطع أطرافه الأربعة أو بعضها ، أو كان الجراح في غير أطرافه ، وقد روى المزني : " ولو ضربه فقد يديه أو رجليه ، ثم قتله آخر ، فإن سلبه للأول " .

وروى الربيع : " ولو ضربه فقطع يديه ورجليه " وليس ذلك على اختلاف قولين فيما يصير به مكفوفا كما وهم فيه بعض أصحابنا ، وإنما الاعتبار فيه بأن يصير بالجراح عاجزا عن القتال صريعا .

والشرط الثاني : ألا تطول به مدة الحياة بعد الجراح ، فيكفى شر رأيه وتدبيره فيصير باجتماع هذين الشرطين سلبه للجارح الأول دون الثاني القاتل .

وأما إن جرحه جراحة لا تطول مدة الحياة بعدها لكنه قد يقابل معه ، فلا سلب لجارحه ؛ لأن ما كفى شر قتاله والسلب لقاتله ، ولو ناله بالجراح ما كفه عن القتال وأعجزه عنه أبدا ، لكن طالت به مدة الحياة بعده ففي سلبه قولان من قتل الشيوخ :

أحدهما : السلب لجارحه دون قاتله إذا قيل إن الشيوخ والرهبان لا يقتلون .

والثاني : لقاتله دون جارحه إذا قيل يقتلون ، فهذه الشروط التي ذكرنا يستحق السلب بها وقال داود وأبو ثور : " من قتل قتيلا فله سلبه " وهذا خطأ ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى سلب أبي جهل لابن عفراء دون ابن مسعود ، وإن كان قاتلا وقيل : إنه تقلد منه سيفه وحده .

التالي السابق


الخدمات العلمية