الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو كان لرجل أجير يريد الجهاد فقد قيل يسهم له وقيل يخير بين أن يسهم له وتطرح الإجارة ولا يسهم له وقيل يرضخ له " .

قال الماوردي : وجملة ذلك أن الأجير إذا حضر الواقعة لم يخل حال إجارته من أحد أمرين :

إما أن تكون ثابتة في ذمته ، أو معينة في رقبته ، فإن كانت في الذمة أسهم له : لأن ثبوت الحقوق في الذمم لا يمنع من استحقاق السهم في المغنم كالديون ، وإن كانت معينة في رقبته وعلى يديه فعلى ضربين :

أحدهما : أن تكون مقدرة بالعمل .

والثاني : أن تكون مقدرة بالزمان .

فإن كانت المنفعة فيها مقدرة بالعمل كرجل استؤجر لخياطة ثوب ، أو صناعة حلي ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن تكون إجارة لازمة لا يقدر على فسـخها .

والثاني : أن تكون إجارة يقدر على فسخها ، فإن كانت لازمة لا يقدر على فسخها ففي استحقاقه للسهم قولان :

أحدهما : لا سهم له : لأن منفعته بالعقد مستحقة فأشبه العبد ؛ فعلى هذا يرضخ له وهو على إجارته مستحق لأجرته : لأنه لم يعتض عن منفعته فانصرفت إلى إجارته .

والقول الثاني : أنه يسهم له ؛ لأن استحقاق منافعه بالعقد لا يمنع من استيفاء أحكام قربه كالحج ومن هذا الوجه خالف أحكام العبد ، فعلى هذا إن كان حضور الوقعة لا يمنع [ ص: 424 ] من منافع إجارته كأجير يخدم من حضر الوقعة فله الأجرة مع السهم كما يكون له الحج مع الأجرة ، وإن كان حضور الوقعة يمنع من منافع إجارته ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يدعوه المستأجر إلى خدمته فيأبى ويغلبه على منافع نفسه ، فهذا يرد من الأجرة ما قابل مدة حضوره لئلا يجمع فيها بين بدلين وقد امتلكها في إحدى الجهتين .

والضرب الثاني : لا يدعوه المستأجر إلى خدمته ففي استحقاق الأجر وجهان :

أحدهما : لا يستحقها تعليلا بما ذكرنا .

والثاني : يستحقها : لأن الأجرة في مقابلة التمكين من الخدمة ، والتمكين موجود وإن لم يقترن به الاستيفاء وإن كانت الإجارة تقدر على قسمها ، ففيه ثلاثة أقاويل :

أحدها : لا يسهم له ، سواء أقام عليها من بعد أو فسخ .

والثاني : يسهم له ، سواء أقام عليها من بعد أو فسخ .

والثالث : أنه مخير بين أن يقيم على الإجارة ، فلا يسهم له ويعطى رضخا وتكون له الأجرة ، وبين أن يفسخ فيسهم له وتسقط الأجرة .

فإذا قيل : يسهم له فسواء قاتل أو لم يقاتل له سهمه كغيره من الجيش .

وإذا قيل لا يسهم له كان ذلك حكمه ما لم يقاتل في حضوره ، فأما إذا قاتل وأبلى ؛ فإنه يستحق على هذا القول السلب إن قتل قتيلا ؛ وفي استحقاقه للسهم وجهان :

أحدهما وهو قول أكثر البصريين منهم أبو الفياض : يستحق السهم لبلائه وظهور عنائه .

والوجه الثاني وهو الظاهر من قول أبي إسحاق المروزي والأصح عندي : أنه لا سهم له : لأن من لم يستحق السهم بالحضور إذا لم يقاتل لم يستحقه وإن قاتل كأهل الرضخ طردا وأهل الجهاد عكسا .

التالي السابق


الخدمات العلمية