الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو جاءهم مرد قبل تنقضي الحرب فحضروا منها شيئا قل أو كثر شركوهم في الغنيمة ، فإن انقضت الحرب ولم يكن للغنيمة مانع لم يشركوهم .

وقال الماوردي : وهذا صحيح إذا ألحق بالجيش في دار الحرب مرد لم يخل حال المرد من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يدركوا الوقعة قبل تنقضي الحرب فيكونوا شركاء للجيش في الغنيمة ، سواء قاتلوا معهم أم لا ، وسواء احتاج الجيش إليهم أم لا : لقوله - صلى الله عليه وسلم - : الغنيمة لمن حضر الوقعة ، ولأن لورودهم تأثيرا في القوة وربما كان سببا للظفر .

والقول الثاني : أن يدركوهم بعد تنقضي الحرب وانجلاء الوقعة وقبل إحازة الغنيمة .

[ ص: 426 ] والإحازة أن يستولي عليها المسلمون ويولي عنها المشركون ونأمن رجعتهم في الحال فتكمل الإحازة بهذه الشروط الثلاثة ، فإن انخرم شرط منها لم تكمل الإحازة ، فإذا كان حضور المرد بعد تنقضي الحرب وقبل الإحازة فهل يشركونهم فيها أم لا على القولين الماضيين نصا وتخريجا .

والقسم الثالث : أن يدركوهم بعد تنقضي الحرب وبعد إحازة الغنيمة على ما ذكرنا من صفة الإحازة ، فلا حق لهم في الغنيمة والجيش أحق بها من المرد .

وقال أبو حنيفة : المرد شركاء الجيش في الغنيمة إذا أدركوهم في دار الحرب وإن أحرزت الغنائم ما لم يقتسموها ، أو يكن الإمام قد باعها ، ولو كان المرد أسرى لحقوا بالجيش في دار الحرب بعد إحازة الغنائم لم يشركوهم .

واستدل على مشاركة المرد لهم بأنهم جيش اجتمعوا على نفل الغنيمة من دار الحرب ، فوجب أن يشركوا فيها قياسا على الحاضرين قبل الحرب ، ولأن لما كان الرد مشاركا وجب أن يكون المرد مشاركا : لأن كلا الفريقين عون وللجيش بهما قوة ، ولأن الغنيمة لا تملك إلا بالإحازة إلى دار الإسلام ، فصار المرد مدركا لها قبل إحازتها .

ودليلنا قوله - صلى الله عليه وسلم - : الغنيمة لمن شهد الوقعة والذي شهدها الجيش دون المرد ، فوجب أن يكون أحق بها من المرد .

وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أبان بن سعيد على سرية قبل نجد فقدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - بخيبر وقد فتحها وأحازها فسأله أن يسهم له ولأصحابه منها فأبى : فدل على اختصاص الجيش بها دون المرد ، ولأن لحوقهم بالجيش بعد إحازة الغنيمة يمنع مشاركتهم في الغنيمة قياسا على الأسرى ، ولأن كل غنيمة لا يسهم للأسرى منها لم يسهم للمرد منها قياسا على ما نفل ، أو قسم .

وأما الجواب عن قوله أنهم اجتمعوا على نفل الغنيمة ، فليس النفل علة في التملك ؛ ألا ترى أن الأسرى لو نفلوا لم يتملكوا ، وكذلك الأجراء على النفل .

وأما استدلالهم بالرد ، فهم والمرد سواء ؛ إن أدرك الوقعة أسهم لهم كالرد ، وإن لم يدرك الرد الوقعة لم يسهم لهم كالمرد .

وأما قوله إن الغنيمة يمكن إحازتها إلى دار الإسلام ؛ فليس للدار تأثير في تملكها ، وإنما تملك بمجرد الإحازة على ما ذكرنا من الشروط المعتبرة ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية