الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " والصدقة هي الزكاة والأغلب على أفواه العامة أن للثمر عشرا وللماشية صدقة وللورق زكاة ، وقد سمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا كله صدقة " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، قد كان الشافعي يرى في القديم : أن المأخوذ من الزرع [ ص: 476 ] والثمر يسمى عشرا ، والمأخوذ من الماشية يسمى صدقة ، والمأخوذ من الذهب والورق يسمى زكاة ، ولا يجعل لاختلاف الأسماء تأثيرا في اختلاف الأحكام .

وقال أبو حنيفة : هي مختلفة الأسماء على ما ذكرنا ، واختلاف الأسماء يدل على اختلاف الأحكام ؛ فخص المأخوذ من الزرع والثمر باسم العشر دون الصدقة والزكاة ، وجعل حكمه مخالفا لحكم الصدقة والزكاة من وجهين :

أحدهما : وجوب العشر في مال المكاتب والذمي ، وإن لم يجب في مالهما صدقة ولا زكاة .

والثاني : جواز مصرف العشر في أهل الفيء وإن لم تصرف فيهم صدقة ولا زكاة .

وقال الشافعي في الجديد : الأسماء مشتركة والأحكام متساوية ، وإن المأخوذ من الزرع والثمر يجوز أن يسمى صدقة وزكاة ، أما تسميته بالصدقة فلقوله - صلى الله عليه وسلم - : فما دون خمسة أوسق من التمر صدقة ، وأما تسميته زكاة فلقوله - صلى الله عليه وسلم - في الكرم : يخرص كما يخرص النخل ثم تؤدى زكاته زبيبا كما تؤدى زكاة النخل ثمرا . وإذا ثبت أن الأسماء مشتركة ثبت أن الأحكام متساوية ؛ ولأنه لما ثبت ذلك في مال المسلم ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ليس في المال حق سوى الزكاة لما ثبت أنه زكاة ؛ ولأن كل ما كان طهرة للمسلم في ماله كان زكاة لماله كالزكاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية