الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ويجمع أهل السهمان أنهم أهل حاجة إلى مالهم منها وأسباب حاجتهم مختلفة ، وكذلك أسباب استحقاقهم معان مختلفة " .

قال الماوردي : وهذا كما قال ، مال الصدقات لا ينصرف إلا في ذوي الحاجات إلا أنها ضربان :

أحدهما : من يدفع إليه لحاجته إليها ، وهم الفقراء والمساكين والمكاتبون وأحد صنفي الغارمين الذين أذنوا في مصالح أنفسهم وبنو السبيل .

والضرب الثاني : من تدفع إليه لحاجتنا إليه وهم العاملون عليها والمؤلفة قلوبهم ، وأحد صنفي الغارمين وهم الذين أذنوا في صلاح ذات البين والغزاة ، فمن دفعت إليه لحاجته إليها لم يستحقها إلا مع الفقر ، ولم يجز أن يدفع إليه مع الغنى .

ومن دفعت إليه لحاجتنا إليه جاز أن تدفع إليه مع الغنى والفقر ، ثم ينقسم جميعهم ثلاثة أقسام : فمنهم من يأخذها ويستحقها بسبب متقدم ، ومنهم من يأخذها ويستحقها بسبب مستحدث ، فأما الذي يأخذها ويستحقها بسبب متقدم فهم ثلاثة أصناف : الفقراء والمساكين والعاملون عليها : لأن السبب الذي به أخذوا وبه استحقوا هو الفقر والمسكنة والعمل وذلك متقدم على الأخذ ، فإذا قبضوها فقد استقر ملكهم عليها ، فلا يجوز أن تسترجع منهم وإن زال سبب استحقاقهم .

[ ص: 487 ] وأما الذي يأخذها ويستحقها بسبب مستحدث فهم صنفان : بنو السبيل ، والغزاة . فيأخذ ابن السبيل ليبتدئ سفره ويأخذ الغازي ليبتدئ جهاده ، فإذا أخذوا سهمهم منها لم يستقر ملكهم عليه إلا أن يسافر ابن السبيل ويجاهد الغازي فيستقر حينئذ ملكهم على ما أخذوا ، فإن لم يسافر ابن السبيل ولم يجاهد الغازي استرجع منهما ما أخذاه لفقد السبب الذي يعتبر به الأخذ والاستحقاق ، وأما الذي يأخذها بسبب متقدم واستحقاق مستحدث فهم ثلاثة أصناف : المؤلفة قلوبهم يدفع إليهم لتغير نياتهم المتقدمة ويستحقونها بجنس نياتهم المستحدثة ، والمكاتبون يأخذونها للباقي عليهم من أموال كتابتهم ويستحقونها بما يستحدثون من قضاء ديونهم وزوال غرمهم ، فهؤلاء إن حدث منهم بعد أخذها ما به يستقر الاستحقاق من حسن نيات المؤلفة وعتق المكاتبين بالأداء وقضاء ديون الغارمين بالقضاء ، فلا يجوز الرجوع عليهم بشيء منها ؛ لاستقرار الاستحقاق ، والحادث بعد الأخذ بالسبب المتقدم ، وإن لم يحدث منهم بعد الأخذ ما يستقر به الاستحقاق فلم يحسن به نيات المؤلفة قلوبهم ولم يؤد المكاتبون ذلك في عتقهم ولا قضاه الغارمون في ديونهم ، فهذا ينظر ، فإن كان سبب الأخذ باقيا وهو بقاء الكتابة على المكاتبين ، وبقاء الدين على الغارمين لم يسترجع ذلك منهم : لأنه يجوز أن يستأنف دفعها إليهم فلم يجز أن يسترجع المتقدم منهم . وكذلك المؤلفة : لأن ضعف نياتهم التي قصدوا له بتآلفهم باق يقتضي استئناف العطاء ، فلم يجز أن يعارض بالاسترجاع المنكر ، وإن كان سبب الأخذ قد زال مع بقاء الصدقة بأيديهم كعتق المكاتب تبرعا ، أو بأداء من كسب وزال الغرم بإبراء أو بقضاء من كسب استرجعت منهم : لأن سبب الاستحقاق لم يوجد .

التالي السابق


الخدمات العلمية