الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما المسلمون من المؤلفة فضربان :

مقضرب لم يختلف قوله في جواز تألفهم .

وأما الضرب الذي اختلف قوله في جواز تألفهم وحملهم فيه على حكم المشركين فضربان :

أحدهما : الأشراف المطاعون وقد حسنت في الإسلام نياتهم ، لكن في إعطائهم تألف لقومهم وترغيب لأكفائهم ونظرائهم كالزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاهما تألفا لقومهما وترغيبا لنظرائهما .

والضرب الثاني : أشراف مطاعون قد أسلموا بنيات ضعيفة ، إن أعطوا قويت نياتهم وحسن إسلامهم وإن منعوا ربما أفضى بهم ضعف النية إلى الردة ، فقد أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمثال هؤلاء مثل عيينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس التميمي ، فإنه تألف كل واحد منهما بمائة بعير وترك العباس بن مرداس السلمي فلم يعطه ثقة بحسن إسلامه ، كما ترك الأنصار وقصر به على مهاجرة الفتح حتى استعتب العباس بن مرداس فيما أنشده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شعره حيث يقول :


كانت نهابا تلافيتها وكري على القوم بالأجرع     وحثي الجنود لكي يدلجوا
إذا هجع القوم لم أهجع     أتجعل نهبي ونهب العبيـ
ـد بين عيينة والأقرع



[ ص: 501 ] الأبيات إلى آخرها .

فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعطي مائة بعير فاحتمل إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك له أحد أمرين ذكرهما الشافعي :

أحدهما : أن يكون قد ظن به حسن النية في الإسلام فمنعه ، ثم بان منه ضعف النية فتألفه .

والثاني : أن يكون على حسن نيته ، لكن خشي نقص الرتبة وحظ المنزلة فأحب المساواة بينه وبين أكفائه فأعطاه مع حسن إسلامه ، وهذا أشبه الأمرين بشعره ، فهذان الضربان من مؤلفة المسلمين قد تألفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته وفي جواز تألفهم الآن بعد وفاته قولان :

أحدهما : يجوز اقتداء به - صلى الله عليه وسلم - مع عموم قوله تعالى : والمؤلفة قلوبهم [ التوبة : 160 ] ، ولأن أبا بكر - رضي الله عنه - لما أتاه عدي بن حاتم الطائي بثلاثمائة بعير من صدقات قومه أعطاه منها ثلاثين بعيرا ليتألف بها قومه وأمره أن يلحق بخالد بن الوليد فيمن أطاعه من قومه ، فلحق به في زهاء ألف رجل وأبلى بلاء حسنا .

والقول الثاني : لا يجوز أن يتألفوا : لأن الله تعالى قد أعز الإسلام وأهله بالقوة والكثرة عن أن يتألف فيه أحد ، ولأن عمر وعثمان وعليا - رضي الله عنهم - ما تألفوا من مال الصدقات أحدا ، وقد روى حسان بن عطية أن عيينة بن حصن أتى عمر فسأله شيئا فلم يعطه فقال : وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [ الكهف : 29 ] ، فإن قيل : لا يعطى الكفار ، فلا مقال وإذا قيل يعطون تألفا لقلوبهم ، فعن المال الذي يتألفون منه قولان :

أحدهما : هو سهم المؤلفة من الصدقات ، فإن النص على سهمهم منها ، ولأن أبا بكر أعطى عدي بن حاتم ثلاثين بعيرا من صدقات قومه .

والقول الثاني : أنهم يعطون من مال المصالح وهو خمس الخمس من الفيء والغنيمة لأنهم من جملتها ويعطون ذلك مع الغناء والفقر .

التالي السابق


الخدمات العلمية