الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإن كانوا ممن تجب نفقاتهم لم يجز أن يدفع إليهم من الزكاة إن كانوا فقراء أو مساكين : لأنهم بوجوب نفقاتهم عليه قد صاروا به أغنياء ، ولأنه يصير مرتفقا بها في سقوط نفقاتهم عنه ، فلم يجز لهذين الأمرين أن يعطيهم من سهم الفقراء والمساكين ، فأما إن كانوا من العاملين عليها جاز أن يعطيهم سهم العاملين منها : لأن سهمهم في مقابلة عمل فكان عوضا ، فإن كانوا من المؤلفة أعطاهم من سهم المؤلفة إن كانوا أغنياء ولم يعطهم منه إن كانوا فقراء : لأنه تسقط نفقاتهم عنه بما يأخذونه منه فصار مرتفقا بها .

وإن كانوا مكاتبين جاز أن يعطيهم من سهم الرقاب : لأن نفقة المكاتب لا تجب على مناسب ، وإن كانوا من الغارمين جاز أن يعطيهم من سهمهم ، سواء كانوا ممن أدان في مصلحة نفسه ، أو مصلحة غيره ، فلا يعطى إلا مع الفقراء . وإن كانوا ممن أدان في المصالح العامة فيعطى مع الغنى والفقر : لأن ما يعطونه يلزمهم صرف ديونهم التي تجب عليه قضاؤها عليهم ، فليس يرتفق بها في سقوط نفقتهم .

وإن كانوا من الغزاة أعطاهم من سهم سبيل الله قدر ما يستعينون به في مؤنة [ ص: 536 ] حمولتهم وثمن سلاحهم ودوابهم ونفقات خيلهم وغلمانهم ، ولا يعطيهم نفقات أنفسهم لوجوبها عليه حتى لا يصير مرتفقا بسقوطها عنه .

وإن كانوا من بني السبيل أعطاهم من سهمهم كراء مسيرهم ، ولم يعطهم نفقات أنفسهم إلا ما زاد على نفقة الحضر لئلا يصير مرتفقا بها في سقوطها عنه : لأنه لا يلزمه أن يسافر بهم ولا يقرهم كما لا يلزمه أن يقضي ديونهم ، فجاز أن يعطيهم منها ما اختص بالسفر والغزو ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية