الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما صفة الغسل : فهو أن يأخذ الماء بيديه جميعا بخلاف المضمضة والاستنشاق ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا فعل ، ولأن ذلك أمكن له ، ولأنه أسبغ لغسل وجهه فيبدو بأعلى وجهه ثم ينحدر ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا كان يفعل ، ولأنه أمكن له فيجري الماء بطبعه .

وقد روي عن ابن عمر أنه كان مس الماء على وجهه ولا يسنه ، والسن بغير إعجام صب الماء وبالشين تفريق الماء ثم يمر بيديه بالماء على وجهه حتى يستوعب الماء جميع ما يجب إيصاله إليه . فإن خالف ما وصفنا في الاختيار وأوصل الماء إلى جميع وجهه أجزأه فإما إيصال الماء إلى العينين فليس بواجب ولا سنة ، واختلف أصحابنا هل يستحب له ذلك أم لا ؟ فقال أبو حامد الإسفراييني رحمه الله يستحب له ذلك وحكاه عن الشافعي في كتاب الأم ؛ لأن ابن عمر كان يفضله .

[ ص: 112 ] وذهب سائر أصحابنا إلى أنه غير مستحب لما يلحقه من المشقة فيه ويناله فقد روى أبو أمامة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ مسح بأصبعيه آماق عينيه .

فلو كان غسل العينين مسنونا أو مستحبا لفعله احتياطا لنفسه أو بيانا لغيره والله أعلم . مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : ثم يغسل ذراعه اليمنى إلى المرفق ثم اليسرى مثل ذلك ، ويدخل المرفقين في الوضوء في الغسل ثلاثا ثلاثا ، وإن كان أقطع اليدين غسل ما بقي منهما إلى المرفقين وإن كان أقطعهما من المرفقين فلا فرض عليه فيهما . وأحب أن لو أمس موضعهما الماء " .

قال الماوردي : غسل الذراعين واجب بالكتاب والسنة والإجماع ، فإذا غسلهما لزمه غسل المرفقين معهما وهو قول الكافة إلا زفر بن الهذيل ، فإنه قال : غسل المرفقين غير واجب ؛ لأن الله تعالى جعلهما حدا فقال : وأيديكم إلى المرافق [ المائدة : 6 ] والحد لا يدخل في المحدود . كما قال تعالى : ثم أتموا الصيام إلى الليل [ البقرة : 187 ] . فجعل الليل حدا فلم يكن داخلا فيما لزم إتمامه من الصيام وكما قال : بعتك الدار وحدها إلى الدكان لم يكن الدكان داخلا في البيع ، والدلالة عليه قوله تعالى : وأيديكم إلى المرافق [ المائدة : 6 ] . فكان الدليل في الآية من وجهين :

أحدهما : أن إلى في هذا الموضع بمعنى مع وليست غاية للمحدود فتصير حدا ، وتقديره مع المرافق .

كما قال تعالى : وإذا خلوا إلى شياطينهم [ البقرة : 14 ] أي مع شياطينهم ، وكقوله : من أنصاري إلى الله [ الصف : 14 ] أي مع الله .

والثاني : أن إلى وإن كانت حدا وغاية فقد قال المبرد : إن الحد إذا كان من جنس المحدود دخل في جملته ، وإن كان من غير جنسه لم يدخل ، ألا تراهم يقولون : بعتك الثوب [ ص: 113 ] من الطرف إلى الطرف فيدخل الطرفان في البيع لأنهما من جنسه ، وكذلك لم يدخل إمساك الليل في جملة الصيام لأنه ليس من جنس النهار ، ثم الدليل عليه من طريق السنة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غسل ذراعيه أدار يديه على مرفقيه ، فدل على أن إيجاب غسلهما ما لا يعرف فيه خلاف قبل زفر ، فكان زفر محجوبا بإجماع من تقدمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية