الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 544 ] فصل : وأما القسم الثالث الذي يختلف فيه الضمان باختلاف حال الدافع إن كان إماما أو مالكا فهو مسألة الكتاب ، وهو أن يدفعها إلى من يستحقها بالفقر والمسكنة فيبين غير مستحق ، فهذا على ضربين :

أحدهما : ألا يستحقها لعدم الفقر .

والثاني : ألا يستحقها مع وجود الفقر لسبب يمنع من جواز الأخذ .

فأما الضرب الأول فهو أن يدفعها إلى رجل ظن به فقرا فبان غنيا ، فإن كان الدافع لم يجتهد عند الدفع ضمن إماما أو مالكا : لأن ترك الاجتهاد تفريط ، وإن كان قد اجتهد عند الدفع نظر ، فإن كان الدافع لها إماما أو واليا عليها من قبل الإمام لم يضمن : لأنه أمير عليها لم يفرط فيها ، ولكن له استرجاعها من الآخذ لها إن كان حيا ومن تركته إن كان ميتا ، سواء شرط عند الدفع أنها زكاة أو لم يشرط : لأن الوالي لا يدفع من الأموال إلا ما وجب ، وإن كان الدافع لها هو رب المال ففي وجوب ضمانه قولان :

أحدهما : أنه لا يضمن كالإمام .

والقول الثاني : يضمن ، بخلاف الإمام والفرق بينهما من ثلاثة أوجه :

أحدها : أن للإمام عليها ولاية ليست لرب المال فلم يضمنها إلا بالعدوان .

والثاني : أن الإمام بريء الذمة من ضمانها قبل الدفع فلم يضمنها إلا بتفريط ظاهر .

ورب المال مرتهن الذمة بضمانها قبل الدفع ؛ فلم يبرأ منها إلا باستحقاق ظاهر .

والثالث : أن الإمام لا يقدر على دفعها إلى مستحقها إلا بالاجتهاد دون اليقين فلم يضمن إذا اجتهد ورب المال يقدر على دفعها إلى مستحقها بيقين وهو الإمام مضمونة إذا دفعها بالاجتهاد .

فإذا تقرر هذا نظر في رب المال ، فإن شرط عند الدفع أنها زكاة كان له استرجاعها من الآخذ لها إذا كان غنيا وإن لم يشترط ذلك عند الدفع نظر في الآخذ لها ، فإن صدقه أنها زكاة لزمه ردها وإن لم يصدقه لم يلزمه ردها ، بخلاف الإمام : لأن رب المال قد يعطي فرضا وتطوعا فلم يسترجع إلا بشرط ، والإمام لا يعطي إلا فرضا واجبا ، فجاز أن يسترجع بغير شرط ، ولأن للإمام ولاية على أهل السهمان ، فكان قوله عليهم مقبولا وليس لرب المال عليهم ولاية فلم يقبل قوله عليهم ، فكان هذا فرقا بين الإمام ورب المال في جواز الاسترجاع عند عدم الشرط ، لكن اختلف أصحابنا هل يكون لرب المال إحلاف المدفوع إليه أنه لا يعلم أن ما أخذه تعجيل أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : له إحلافه : لأنه لو علم لزمه الرد .

والوجه الثاني : ليس له إحلافه : لأنه هو المفرط حيث لم يشترط ، ولكن لو قال رب المال : شرطت التعجيل ، وقال المدفوع إليه : لم يشترط ، كان له إحلافه وجها لوجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية