الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما قول الشافعي : " افترض عليه أشياء خففها عن خلقه ليزيده بها - إن شاء الله تعالى - قربة ، وأباح له أشياء حظرها على خلقه زيادة في كرامته وتبيينا لفضيلته " .

وهذا صحيح أن الله تعالى خص رسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، وفرض الطاعة : حتى يميز بهما على جميع المخلوقات ، وميزه عنهم في أحكام الدين من وجهين :

أحدهما : تغليظ .

والآخر : تخفيف .

فأما التغليظ : فهو أن فرض عليه أشياء خففها عن خلقه ، وذلك لأمرين :

[ ص: 10 ] أحدهما : لعلمه بأنه أقوم بها منهم وأصبر عليها منهم .

والثاني : ليجعل أجره بها أعظم من أجورهم وقربه بها أزيد من قربهم .

وأما التخفيف : فهو أنه أباحه أشياء حظرها عليهم ، وذلك لأمرين :

أحدهما : لتظهر بها كرامته وتبين بها اختصاصه ومنزلته .

والثاني : لعلمه بأن ما خصه من الإباحة لا يلهيه عن طاعته ، وإن ألهاهم ولا يعجزه عن القيام بحقه ، وإن أعجزهم ليعلموا أنه على طاعة الله تعالى أقدر وبحقه أقوم ، فإن قيل : فقول الشافعي " ليزيده بها - إن شاء الله تعالى - قربة إليه " كان على شك فيه حتى استثنى بمشيئة الله تعالى .

قيل : ليست شكا وفيها لأصحابنا وجهان :

أحدهما : أنها تحقيق كقوله تعالى : ستجدني إن شاء الله من الصابرين [ الصافات : 102 ] .

والوجه الثاني : أنها بمعنى إذا شاء الله ، وتكون بمعنى إذ كما قال تعالى : لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين [ الفتح : 27 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية