فصل : والمسألة الثانية أن اختلفوا :  
هل له نكاح الكتابية أم لا ؟  على وجهين :  
أحدهما : لم يكن له ذلك لقوله تعالى :  
وأزواجه أمهاتهم     [ الأحزاب : 6 ] وقال صلى الله عليه وسلم  
أزواجي في الدنيا هن أزواجي في الآخرة  وهذان الأمران منتفيان عن غير المسلمات : ولأن الله تعالى شرط فيما أباحه لرسوله من بنات عمه وعماته الهجرة ، فقال :  
اللاتي هاجرن معك     [ الأحزاب : 50 ] فلما حظر عليه من المسلمات من لم تهاجر ، فكيف يستبيح من لم تسلم ولم تهاجر ؟ .  
والوجه الثاني : يحل له نكاح الكتابية : لأن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في النكاح أوسع من      
[ ص: 24 ] حكم أمته ، فلم يجز أن يحرم عليه ما يحل لأمته : ولأنه صلى الله عليه وسلم استمتع بأمته  
ريحانة بنت عمرو  بملك يمينه ، وكانت يهودية من سبي  
بني قريظة   ، وعرض عليها الإسلام فأبت ، ثم أسلمت من بعد ، فلما بشر بإسلامها سر به ، والكفر في الأمة أغلظ منه في الحرة : لأن  
نكاح الأمة الكتابية  حرام ،  
ونكاح الحرة الكتابية  مباح ، فلما لم تحرم عليه الأمة الكتابية ، فأولى أن لا تحرم عليه الحرة الكتابية ، فعلى هذا إذا نكح الكتابية ، فهل عليه تخييرها أن تسلم فيمسكها ، أو تقيم على دينها فيفارقها ؟ فيه وجهان :  
أحدهما : عليه تخييرها ، فإن أسلمت ثبت نكاحها ، وإن أقامت على دينها فارقها ، ليصح أن تكون من أزواجه في الآخرة .  
والوجه الثاني : ليس ذلك عليه : لأنه ما خير  
ريحانة  ، وقد عرض عليها الإسلام فأبت ، وأقام على الاستمتاع بها .  
فأما الأمة فلم يختلف أصحابنا أنه لم يكن له أن يتزوجها ، وإن جاز أن يستمتع بها لملك يمينه : لأن  
نكاح الأمة مشروط بخوف العنت  ، وهذا غير مجوز عليه .