الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
والوجه الثاني : أن القسم بينهن لم يكن واجبا ، وإنما كان يتطوع به . وهو قول أبي سعيد الإصطخري وطائفة : لما في وجوبه عليه من التشاغل عن لوازم الرسالة ولقوله تعالى : ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء [ الأحزاب : 51 ] وفيه تأويلان :

أحدهما : معناه تعزل من شئت من أزواجك فلا تأتيها وتأتي من شئت من أزواجك فلا تعزلها ، هذا قول مجاهد .

والثاني : معناه تؤخر من شئت من أزواجك ، وتضم إليك من تشاء من أزواجك . وهذا قول قتادة . ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك [ الأحزاب : 51 ] أي من ابتغيت فآويته إليك ممن عزلت أن تؤويه إليك ، فلا جناح عليك فيه تأويلان :

[ ص: 26 ] أحدهما : فلا جناح عليك فيمن ابتغيت وفيمن عزلت . وهو قول يحيى بن سلام .

والثاني : فلا جناح عليك فيمن عزلت أن تؤويه إليك . وهو قول مجاهد .

ذلك أدنى أن تقر أعينهن ولا يحزن ويرضين بما آتيتهن كلهن [ الأحزاب : 51 ] فيه تأويلان :

أحدهما : إذا علمن أن له ردهن إلى فراشه إذا اعتزلهن قرت أعينهن فلم يحزن . وهذا قول مجاهد .

والثاني : إذا علمن أن هذا من حكم الله تعالى فيهن قرت أعينهن و لم يحزن . وهذا قول قتادة . فاختلفوا : هل أرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية أحدا من نسائه أم لا ؟ فالذي عليه الأكثرون أنه لم يرج منهن أحدا ، وأنه مات عن تسع ، فكان يقسم منهن لثمان ، لأن سودة وهبت يومها لعائشة ، روى منصور عن ابن رزين قال : بلغ بعض نسوة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يخلي سبيلهن ، فأتينه ، فقلن : لا تخل سبيلنا وأنت في حل فيما بيننا وبينك ، فأرجأ منهن نسوة وآوى نسوة ، فكان ممن أرجأ ميمونة وجويرية وأم حبيبة وصفية وسودة ، وكان يقسم بينهن من نفسه وماله ما شاء ، وكان ممن آوى عائشة وأم سلمة وزينب وحفصة ، فكان قسمه من نفسه وماله فيهن سواء ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية