الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت أن استئمار الأب لابنته البكر استحبابا ، فإذنها يكون بالصمت دون النطق ، بخلاف الثيب لقوله صلى الله عليه وسلم : " وصمتها إقرارها " .

وروى ثابت البناني عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب إليه إحدى بناته دنا من الخدور ، وقال : إن فلانا خطب فلانة ، فإن هي رضيت سكتت ، فكان سكوتها رضاها ، وإن هي أنكرت طعنت في الخدر ، فكان ذلك منها إنكارا فلا يزوجها ولأن البكر أكثر خفرا وتحذرا من الثيب فهي تستحي مما لا تستحي منه الثيب من التصريح بالرغبة في الأزواج ، فجعل سكوتها إذنا ورضا ، ولم يجعل إذن الثيب إلا نطقا ، فأما من عدا الآباء من الأولياء مع البكر فعليهم استئمارها : لأنه لا يجوز لهم إجبارها وإذنها معهم الصمت كإذنها مع الأب .

وقال بعض أصحابنا : إذنها معهم بالنطق الصريح كالثيب بخلافها مع الأب : لأنها كانت معهم في وجوب الاستئمار كالثيب وجب أن يكون إذنها نطقا صريحا كالثيب . وهذا خطأ لما قدمناه من عموم الأخبار ، ولما ذكرناه من كثرة الاستحياء ولعل حياءها مع غير الأب أكثر لقلة مخالطته ، فكان إذنها معهم بأن يكون صمتها أولى ، وهكذا السلطان مع البكر كالعصبات إذا فقدوا لا يزوجوها إلا بعد بلوغها بإذنها ، وإذنها معه الصمت ، وسواء كانت البكر ممن قد تزوجت مرة وطلقت قبل الدخول ، أو لم تتزوج قط ، إذا كانت البكارة باقية ، في أن حكمها ما ذكرناه مع الأب والعصبات .

التالي السابق


الخدمات العلمية