الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت وجوب الشهادة في النكاح وأنها شرط في صحته ، فلا ينعقد إلا بشاهدين ، ولا ينعقد بشاهد وامرأتين .

وقال أبو حنيفة : ينعقد بشاهد وامرأتين : استدلالا بقوله تعالى : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان [ البقرة : 282 ] فكان على عمومه : ولأنه عقد معاوضة ، فصح بشاهد وامرأتين كسائر العقود .

ودليلنا قوله تعالى : وأشهدوا ذوي عدل منكم [ الطلاق : 2 ] فلما أمر بالرجعة بشاهدين ، وهي أخف حالا من عقد النكاح ، كان ذلك في النكاح أولى . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا نكاح إلا بولي وشاهدين .

فإن قيل : فإذا جمع بين المذكر والمؤنث غلب في اللغة اللفظ المذكر على المؤنث ، فلم يمنع جمع الشاهدين من أن يكون شاهدا وامرأتين .

قيل : وهذا وإن صح في الجمع : لأن المذكر والمؤنث بلفظ التثنية يمنع من حمله على الجمع : لأن من أهل اللغة من يحمل الجمع على التثنية ، وليس فيهم ولا في الفقهاء من يحمل التثنية على الجمع ، فإن حمله على شاهد وامرأة خالف مذهبه وقول الأمة ، وإن حمله على شاهد وامرأتين خالف لفظ التثنية إلى الجمع ، ولو أن رجلا قال : رأيت رجلين وقد رأى رجلا وامرأتين ، لم يصدق في خبره ، فبطل ما تأولوه .

من القياس : أن الفروج لا يسوغ فيها البذل والإباحة ، فلم يستبح بشهادة النساء [ ص: 60 ] كالقصاص ، ولأن ما خص من بين جنسه بشاهدين لم يجز أن يكون ولا أحدهما امرأة كالشهادة على الزنا ، ولأن من لم يكونوا من شهود النكاح بانفرادهم لم يكونوا من شهوده مع غيرهم كالعبيد والكفار .

فأما الآية فمحمولة على الأموال لتقدم ذكرها ولتخصيص عمومها بما ذكرناه ، فأما القياس على سائر العقود فمردود بما فرق الشرع بينهما في وجوب الشهادة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية