الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " والشهود على العدل حتى يعلم الجرح يوم وقع النكاح " .

قال الماوردي : والعدالة المعتبرة في شهود النكاح عند عقده هي عدالة الظاهر بخلاف الشهادة في إثبات الحقوق عند الحاكم التي يراعى فيها عدالة الظاهر والباطن .

والفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : أن في إثبات الحقوق عند الحكام خصما جاحدا ، فاستكشف لأجله عن عدالة الباطن ، وليس في عقد النكاح هذا المعنى ، فلم تعتبر إلا عدالة الظاهر .

والثاني : أن الحاكم يقدر من استبراء العدالة في الباطن ما لا يقدر عليه الزوجان فسقط اعتبار ذلك عنهما ، وإن لم يسقط عن الحاكم ، وإذا كان ذلك فعدالة الظاهر اجتناب الكبائر والإقلال من الصغائر .

فإذا عقد الزوجان نكاحا بشاهدين لم يخل حالهما من أربعة أقسام :

أحدها : أن يكونا عدلين في الظاهر والباطن ، فعقد النكاح بهما صحيح لعدالة ظاهرهما ، وإثباته عند الحكام جائز لعدالة باطنهما .

والقسم الثاني : أن يكونا عدلين في الظاهر دون الباطن ، فعقد النكاح بهما صحيح لعدالة ظاهرهما ، لكن إثباته عند الحكام لا يصح إلا باستبراء عدالة باطنهما ، فيكشف عن عدالة الباطن وقت الأداء لا وقت العقد . فإن صحت للحاكم ، حكم بشهادتهما في الأداء ، وإن لم تصح ، لم يحكم بشهادتهما في الأداء ، والنكاح على حاله من الصحة ما لم يظهر منهما تقدم الفسق .

والقسم الثالث : أن يكونا فاسقين ، فالعقد باطل ، فلو ظهرت عدالتهما بعد العقد مع تقدم الفسق وقت العقد ، كان العقد على فساده .

والقسم الرابع : أن يكونا مجهولي الحال ، لا يعرف فيهما عدالة ولا فسق ، فهما على ظاهر العدالة والنكاح بهما جائز : لأن الأصل العدالة والفسق طارئ ، وهو معنى قول الشافعي : والشهود على العدل حتى يعلم الجرح يوم وقع النكاح ، وإذا صح العقد بهما مع الجهالة بحالهما لم يحكم الحاكم بهما من إثبات العقد عنده إلا بعد استبراء حالهما في الظاهر والباطن ، فإذا استبرأهما لم يخل حالهما بعد الاستبراء من ثلاثة أقسام :

[ ص: 65 ] أحدها : أن يتبين له عدالة ظاهرهما وباطنهما فيحكم بها في صحة العقد وفي ثبوته .

والقسم الثاني : أن يتبين له عدالة ظاهرهما دون باطنهما ، فلا يحكم بهما في ثبوت العقد ، فإن شهد بعقد النكاح بهما شاهد عدل حكم حينئذ بثبوت العقد وصحته ، فيكون صحة العقد بهما بعدالة ظاهرهما ، وثبوته بشهادة غيرهما .

والقسم الثالث : أن يتبين له فسقهما ، فلا يخلو حال الفسق من ثلاثة أقسام :

أحدهما : أن يتبين له وجود الفسق وقت العقد فالنكاح باطل .

والقسم الثاني : أن يتبين له حدوث الفسق بعد العقد فالعقد على الصحة ، ولا يفسد بحدوث فسقهما ، لكن لا يحكم بثبوته عنده إلا أن يشهد به عدلان أنه عقد بهما ، فيحكم حينئذ بثبوته .

فإن قيل : فكيف يشهد بعقد النكاح بهما عدلان غيرهما ؟ ولو حضره عدلان غيرهما لاستغني بهما عن غيرهما .

قيل : قد يجوز أن يقر الزوجان عند عدلين أنهما عقدا النكاح بهذين .

والقسم الثالث : أن يتبين له فسقهما في الحال ، ولا يعلم تقدمه ولا حدوثه ، والنكاح على الصحة لا يحكم بفساده : لجواز حدوث الفسق مع سلامة الظاهر وقت العقد ، وهو معنى قول الشافعي " حتى يعلم الجرح وقت العقد " ، وإذا لم يحكم بفساده لم يحكم بإثباته إلا بشهادة غيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية