الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما المجنون فعلى ضربين :

أحدهما : أن يكون مستدام الجنون لا يفيق في شيء من زمانه ، فهذا ينظر في حاله ، وإن لم يكن به إلى النكاح حاجة لم يكن لوليه أن يزوجه ، ولا أن يوجب في ماله غرم النفقة والمهر من غير حاجة ، وإن كان به إلى النكاح حاجة ، وذلك في أحد الحالين :

إما أن يرى يتوثب على النساء لفرط شهوة ، وإما أن يحتاج إلى خدمة النساء والزوجة أرفق به ، فيجوز لوليه أن يزوجه بنفسه ، ولا يجوز للولي أن يرد العقد إليه ليتزوج بنفسه بخلاف السفيه : لأن السفيه مكلف يتعلق بقوله حكم ، والمجنون غير مكلف لا يتعلق بكلامه حكم .

والضرب الثاني : أن يكون المجنون ممن يجن في زمان ويفيق في زمان ، فهذا على أضرب :

أحدها : أن يكون زمان جنونه أكثر من زمان إفاقته ، فيجوز لوليه إذا رآه محتاجا إلى النكاح أن يزوجه في زمان جنونه ، ولا يرد العقد إليه كالذي طبق به الجنون ، ويجوز له أن يزوجه في زمان إفاقته وأن يرد العقد إليه كالسفيه : لأن الحجر عليه قبل زمان إفاقته لا يرتفع ، [ ص: 73 ] لكن يكون حكمه في زمان الجنون حكم الحجر بالجنون ، وفي زمان الإفاقة حكم الحجر بالسفه .

والضرب الثاني : أن يكون زمان إفاقته أكثر من زمن جنونه ، فالحجر يرتفع في زمان الإفاقة ، ولا يجوز لوليه أن يزوجه في حال جنونه لما يرجى إفاقته ، ويجوز له أن يزوج بنفسه في زمان إفاقته من غير إذن وليه ، ولا يجوز لوليه أن يزوجه في إفاقته لارتفاع حجره .

والضرب الثالث : أن يتساوي زمان جنونه وزمان إفاقته ، ففي أغلبهما حكما وجهان :

أحدهما : أن حكم الجنون أغلب : تغليبا لحكم ثبوت الحجر ، فعلى هذا يكون حكمه كالضرب الأول فيمن كثر زمان جنونه وقل زمان إفاقته .

والوجه الثاني : أن حكم الإفاقة أغلب تغليبا لأصل السلامة ، فعلى هذا يكون حكمه كالضرب الثاني فيمن كثر زمان إفاقته وقل زمان جنونه .

التالي السابق


الخدمات العلمية