الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو ضمن لها السيد مهرها وهو ألف عن العبد لزمه " .

قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا أذن السيد لعبده أن يتزوج حرة ، فتزوجها على صداق ألف ، ثم إن السيد ضمن لها ألفا عن عبده ، صح الضمان لوجوبه كالديون ، ويكون الألف كسب عبده بالعقد ، وفي ذمة سيده بالضمان ، وهي بالخيار بين أن تطالب العبد بها من كسبه بحكم عقده ، أو تطالب السيد بها بحكم ضمانه ، فإن دفعها العبد من كسبه برئ السيد من ضمانها ، وإن دفعها السيد من ماله برئ العبد منها ، ولم يرجع السيد بها على عبده : لأن السيد لا يثبت له في ذمة عبده مال ، فلو طلق هذا العبد زوجته نظر في طلاقه ، فإن كان بعد الدخول بها فقد استكملته ، وإن كان قبل الدخول بها ملك بالطلاق نصف الصداق ، فإن لم تكن الزوجة قبضت صداقها برئ الزوج من نصفه ، وبرئ السيد من ضمان هذا النصف : لأن براءة المضمون عنه توجب براءة الضامن ، وبقي للزوجة نصف الصداق على العبد وعلى السيد ضمانه ، وإن كانت هذه الزوجة المطلقة قبل الدخول قد قبضت صداقها رجع عليها نصفه ، ثم لا يخلو حال المطلق من أحد أمرين :

إما أن يكون باقيا على ملك سيده عند طلاقه ، أو قد زال ملكه عنه ، فإن كان باقيا على ملكه ، فالسيد هو الراجع عليها بنصف الصداق : لأنه من كسب عبده بالطلاق واكتساب العبد لسيده . وإن كان ملك السيد قد زال عنه بعتق أو بيع ، ففي مستحق هذا النصف من الصداق وجهان :

أحدهما - وهو قول أبي حامد الإسفراييني - : أنه يستحقه العبد إن كان قد أعتق ، أو مشتريه إن كان قد بيع ، ولا حق فيه لسيده الدافع له : لأن نصف الصداق كسب ما ملك بالطلاق ، والطلاق لم يكن في ملك السيد ، فلم يستحق ما ملك به بعد زوال ملكه ، وجرى ذلك مجرى الأب يزوج ابنه الصغير على صداق يدفعه الأب من ماله ثم يطلق الابن عند البلوغ قبل الدخول بزوجته ، فيملك الابن نصف الصداق ، ولا يعود إلى الأب ، وإن دفعه من ماله .

والوجه الثاني - قاله أبو بكر بن الحداد في " فروعه " - : أنه يكون للسيد : لأن الصداق ماله ، فما رجع منه بالطلاق عاد إليه ، وإن زال ملكه عن العبد .

[ ص: 80 ] وذهب إلى هذا بعض المتأخرين من أصحابنا أيضا ، وفرق بين الأب إذا دفع الصداق عن ابنه وبين السيد إذا دفعه عن عبده ، بأن الابن يملك ، فكان دفع الأب تمليكا له ، ثم قضاء للصداق عنه ، فإذا طلق الابن قبل الدخول ، عاد نصف الصداق إليه : لسابق ملكه ، وليس كالعبد : لأنه لا يملك فلم يكن دفع الصداق عنه تمليكا له ، فإذا طلق قبل الدخول ، لم يملك ما لم يجبر له عليه ملك وسواء دفع السيد الصداق من ماله أو دفعه العبد من كسبه : لأن كسبه مال لسيده . والأول أصح الوجهين وأولاهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية