الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رحمه الله : " ولو قالت له أمته أعتقني على أن أنكحك وصداقي عتقي ، فأعتقها على ذلك ، فلها الخيار في أن تنكح أو تدع ويرجع عليها بقيمتها ، فإن نكحته ورضي بالقيمة التي عليها فلا بأس ( قال المزني ) ينبغي في قياس قوله أن لا يجيز هذا المهر حتى يعرف قيمة الأمة حين أعتقها ، فيكون المهر معلوما : لأنه لا يجيز المهر غير معلوم ( قال المزني ) سألت الشافعي - رحمه الله - عن حديث صفية - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم في النكاح أشياء ليست لغيره " .

قال الماوردي : إذا أعتق السيد أمته على أن تتزوج به ويكون عتقها صداقها ، إما أن ابتدأها بذلك أو سألته فأجابها إلى ذلك فقد عتقت ، وهي بالخيار في الحالين بين أن تتزوج به أو لا تتزوج .

وقال أحمد بن حنبل : قد صارت له بهذا العتق زوجة من غير عقد .

وقال الأوزاعي : لا تصير زوجة بالعتق ولكن تخير على أن تتزوج به بعقد مستجد .

واستدل أحمد بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية ، وجعل عتقها صداقها ، ولم ينقل أنه عقد بعد العتق عليها ثم دخل بها .

واستدل الأوزاعي بأنه لو أعتقها على معلوم من خدمته أو عمل أخذت به جبرا ، فكذلك على التزويج .

ودليلنا : هو أن بدل العوض على نكاح في الذمة لا يصح كما لو أعطاها ألفا على أن تتزوج به بعد يوم لم يصح كذلك هذا ، ولأن الذمة إنما ثبتت فيها الأموال والأعمال ، فالأموال كالقرض والسلم ، والأعمال كالبناء والخياطة ، فأما العقود فلا يثبت في الذمة ، كما لو أعطاها ثوبا على أن تبيعه دارا ، أو يؤجرها عبدا لم يصح ، كذلك النكاح لا يثبت في الذمة بما نفذ من العتق ، وفي هذا الاستدلال انفصال عما استدل به الأوزاعي : لأن قطع الخيار قبل ما يملك به استحقاق الخيار لا يصح ، كما لو أسقط الشفيع خياره في أخذ الشفعة قبل البيع ، لم يسقط الخيار بعد البيع ، كذلك خيار المعتقة في التزويج يكون بعد العتق ، فلا يصح إسقاطه قبل العتق ، ويدل على أحمد خصوصا أن العتق مزيل لملك المعتق عن الرقبة والمنفعة ، فلم يجز أن يثبت به عقد النكاح الذي هو بعض تلك المنفعة : لأن ما أوجب نفي شيء استحال أن يوجب إثباته وإثبات بعضه : لكونهما ضدين متنافيين .

فأما استدلال أحمد بحديث صفية فعنه جوابان :

أحدهما : أنه قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها وتزوجها ، فبطل استدلاله به .

والثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم مخصوص في مناكحه بما ليس لغيره . [ ص: 86 ] قال المزني : سألت الشافعي عن حديث صفية ، فقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها وجعل عتقها صداقها .

قال الشافعي : للنبي صلى الله عليه وسلم .

قال المزني : كأنه ذهب إلى أنه مخصوص للنبي صلى الله عليه وسلم ، فاختلف أصحابنا فيما خص به في أمر صفية على أربعة أوجه :

أحدها : أنه خص بأن صار عتقها نكاحها ، ولا يصير عتق غيره من أمته نكاحا .

والثاني : أنه خص بأن وجب عليها أن تتزوج به ، ولا يجب على غيرها أن تتزوج بغيره .

والثالث : أنه خص بأن لم يلزمه لها صداق ، وغيره يلزمه الصداق .

والرابع : أنه خص بأن صارت قيمتها وإن جهلت صداقا منه ، ولا تكون القيمة إذا جهلت صداقا من غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية