الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقررت هذه القاعدة في ترتيب العصبات لاستحقاق الولاية ، فأول درجة تنتقل إليها الولاية بعد الآباء الإخوة ، والإخوة ثلاثة أقسام : إخوة لأب وأم ، وإخوة لأب ، وإخوة لأم .

فأما الإخوة للأم فلا ولاية لهم سواء اجتمعوا مع غيرهم من العصبات أو انفردوا : لأنهم لما أدلوا بالأم ولم يرجعوا بنسبهم إلى الأب خرجوا من جملة العصبات المناسبين فلم يكن لهم ولاية .

وأما الإخوة للأب والأم والإخوة للأب ، فلهم الولاية فأي الفريقين انفرد كان وليا ، فإن انفرد الأخ للأب والأم كانت الولاية له ، وإن انفرد الأخ للأب كانت الولاية له ، وإن اجتمعا ففيه قولان :

[ ص: 93 ] أحدهما - وهو قوله في القديم ، وهو مذهب مالك ، وأبي ثور - : أنهم سواء ولا يقدم الأخ للأب والأم على الأخ للأب في الولاية على النكاح وإن قدم عليه في الميراث لأمرين :

أحدهما : أن الأم لا مدخل لها في ولاية النكاح ، فلم يترجح من أدلى بها : لأن المدلى به أقوى من المدلي ، وليس كالميراث الذي يقدم فيه الأخ للأب والأم على الأخ للأب : لأن للأم في الميراث مدخلا ، فلذلك يرجح من أدلى بها .

والثاني : أن ولاية النكاح تختص بها الذكور ، فلم يترجح فيها من أدلى بالإناث كتحمل العقل .

والقول الثاني - قاله في الجديد ، وهو مذهب أبي حنيفة - : أن الأخ للأب والأم أحق بالولاية من الأخ للأب لأمرين :

أحدهما : أن الإدلاء بالأم كالتقدم بدرجة بدليلين ، أحدهما : أن الأخ للأب والأم يحجب الأخ للأب ، كما يحجب ابن الأخ . والثاني : للأخت من الأب مع الأخت من الأب والأم السدس ، كما يكون لبنت الابن مع بنت الصلب وإذا كان الإدلاء بالأم كالتقدم بدرجة بهذين الدليلين وجب أن يكون أولى بالولاية ، وقد عبر المزني عن هذا الاستدلال بأن المدلي بالأبوين أقرب ممن أدلى بأحدهما استشهادا بالوصايا فيمن وصى بثلث ماله لأقرب الناس به ، وترك أخوين أحدهما لأب وأم ، والآخر لأب أنه يكون الأخ للأب والأم اتفاقا لاختصاصه بالقرب ، فكذلك ولاية النكاح فهذا وجه .

والثاني : أن الأخ للأب والأم ادلاءه بالسببين واشتراكهما في الرحمين أكثر إشفاقا وحبا ممن تفرد بأحدهما ، فصار بمعنى الولاية أخص وبطلب الحظ فيها أمس ، كما كان الأب لاختصاصه بهذا المعنى أحق بها من سائر العصبات وهكذا الصلاة على الميت في أحقهما بها قولان ، وهكذا في تحمل العاقلة للدية إذا كان فيها أخ لأب وأم ، وأخ لأب قولان ، فتكون هذه المسائل الثلاث على قولين .

فأما في الميراث ، والوصية للأقرب ، فالأخ للأب والأم في هذه المسائل الثلاث أحق من الأخ للأب .

التالي السابق


الخدمات العلمية