الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت وجوب القراءة فهي معينة بفاتحة الكتاب لا يجزي غيرها

وقال أبو حنيفة : المستحق من القرآن غير معين والواجب أن يقرأ آية من آي القرآن إن شاء استدلالا بقوله تعالى : فاقرءوا ما تيسر من القرآن [ المزمل : 20 ] . وتعيين القراءة بالفاتحة يزيل الظاهر عن حكمه ، وبحديث أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة المقدم ذكره ، وبرواية أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أو غيرها قال : ولأنه ذكر من شرط الصلاة فوجب أن يجزي فيه ما ينطلق الاسم عليه كالتكبير قال : ولأنه ذكر فيه إعجاز فوجب أن يتم به الصلاة كالفاتحة ، قال : ولأن الخطبة تجري عندكم مجرى الصلاة ، فلما لم تتعين القراءة فيها لم تتعين في الصلاة

[ ص: 104 ] ودليلنا رواية الزهري ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وروى سفيان عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج يعني : ناقصة

وروى شعبة عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ذكره ابن المنذر : ولأنه ذكر في الصلاة فوجب أن يكون معينا كالركوع والسجود ، ولأن أركان العبادة المتغيرة متعينة كالحج

فأما الجواب عن الآية فمن ثلاثة أوجه :

أحدها : أن المراد بها قيام الليل على ما ذكرنا في أول الكتاب ثم يستحب

والثاني : أنها مستعملة في الخطبة أو فيما عدا الفاتحة

والثالث : أنها مجملة فسرها قوله صلى الله عليه وسلم " لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب " . لأن ظاهرها متروك بالاتفاق ، لأنه لو تيسر عليه سورة البقرة لم يلزمه ، ولو تيسر عليه بعض آية لم يجزه ، وأما حديث أبي هريرة ، وأبي سعيد ففيه جوابان :

أحدهما : أن قوله صلى الله عليه وسلم " أو بغيرها " يعني : وبغيرها على معنى الكمال

والثاني : أن معناه لا صلاة إلا بفاتحة [ الكتاب ] لمن يحسنها أو بغيرها لمن لا يحسنها أو لأن ذلك لم يكن لتخصيص الفاتحة بالذكر معنى

وأما قياسهم على التكبير ، فالأصل غير متفق على حكمه عندنا وعندهم فلم نسلم ، لأنهم يقولون يجوز بما لا ينطلق اسم التكبير على صفة مخصوصة ، وأما استدلالهم بالخطبة فهو أصل يخالفونا فيه فلم يجز أن يستدلوا به علينا ، ثم المعنى في الخطبة لما لم تتعين أركانها لم تتعين القراءة فيها بخلاف الصلاة التي تتعين أركانها

التالي السابق


الخدمات العلمية