الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما القسم الرابع : وهو أن يسبق أحدهما الآخر ويشك أيهما هو السابق فهو على ضربين :

أحدهما : أن يصير الشك بعد تقدم اليقين ، فيكون النكاحان موقوفين على ما يرجى من زوال الشك بعود اليقين : لأن طروء الشك بعد تقدم اليقين يجوز أن يتعقبه يقين ، فعلى هذا تكون ذات زوج قد جهل عينه فتمنع من الأزواج ، وليس لواحد منهما إصابتها إلا بعد اليقين بأنه الأسبق نكاحا .

والضرب الثاني : أن يكون الشك مقارنا للعقد لم يتقدمه يقين ، فلا يكون النكاح موقوفا : لأنه ليس يتوقع زوال الشك بعود اليقين ، وإذا امتنع وقف النكاحين كانا باطلين وهل يفتقر بطلانهما إلى فسخ الحاكم أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : لا يفتقر إلى فسخ الحاكم ويكون الجهل على المتقدم فسخا : لأن الجهل بعين الأسبق هو المانع من تعيين الأصح ، فاقتضى أن يقع به الفسخ .

والوجه الثاني : أنه لا يقع الفسخ إلا بحكم الحاكم : لأننا نعلم أن أحدهما زوج ، وإن لم يعلم أيهما الزوج فلم ينفسخ نكاحه إلا بحكم الحاكم الذي له مدخل في فسخ المناكح ، فإن قيل بوقوع الفسخ بالجهل دون الحكم على الوجه الأول كان فسخا في الظاهر والباطن ، كما يمنع التوارث بين الغرقى في الظاهر والباطن عن إشكال التقدم ، وإن قيل بوقوع الفسخ بحكم الحاكم على الوجه الثاني : فهل يقع في الظاهر والباطن أم لا ؟ على وجهين :

[ ص: 125 ] أحدهما : أنه فسخ في الظاهر والزوجية بينهما وبين الأول منهما باقية في الباطن : لأن حكم الحاكم لا يحيل الأمور عما هي عليه .

والوجه الثاني : وهو أصح أن الفسخ يقع ظاهرا وباطنا : لأن المرأة لما لم يحصل لها العوض عاد إليها المعوض ، كالبائع إذا أفلس المشتري بثمن سلعة عادت إليه بفسخ الحاكم ملكا في الظاهر والباطن .

التالي السابق


الخدمات العلمية