الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو زوجها الولي بأمرها من نفسه لم يجز ، كما لا يجوز أن يشتري من نفسه " .

قال الماوردي : إذا كان للمرأة ولي يحل له نكاحها كابن عم أو مولى معتق ، لم يجز أن يتزوجها بنفسه وولايته حتى يزوجه الحاكم بها .

وقال مالك ، وأبو حنيفة : يجوز أن يتزوجها من نفسه بعد إذنها له .

وقال أحمد بن حنبل : يأذن لأجنبي حتى يزوجه بها واستدل من أجازه بقول الله تعالى : ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن [ النساء : 127 ] قالت عائشة : نزلت هذه الآية في شأن يتيمة في حجر وليها رغب في مالها وجمالها لم يقسط لها في صداقها مهرا ، أن تنكحوا أو تقسطوا لهن في صداقهن فدل على أن للولي أن يتزوجها ولم يقسط في صداقها ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا نكاح إلا بولي وهذا نكاح قد عقده ولي ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها ولم يكن لها ولي سواه : ولأنه نكاح بولي ، فجاز ثبوته ، كما لو زوجها من غيره ، ولأن الولي إنما يراد لأن لا تضع المرأة نفسها في غير كفء ووليها كفء لها . [ ص: 129 ] ودليلنا ما روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح : خاطب ، وولي ، وشاهدا عدل فاعتبر في صحته حضور أربعة ، وجعل الخاطب منهم غير الولي ، فلم يجز أن يصح بثلاثة يكون الولي منهم خاطبا ، كما لم يجز أن يكون الشاهد منهم خاطبا .

وروى سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا يتزوج الرجل المرأة حتى يكون الولي غيره ، ولا يشتري الولي شيئا من الغنيمة ولا الوصي شيئا من الميراث وهذا نص مرسل ، وسعيد عند الشافعي حجة : لأنه عقد لم يملك فيه البدل إلا بإذن ، فلم يملك فيه القبول . كالوكيل في البيع لما ملك فيه البدل بإذن موكله لم يملك فيه القبول في شرائه لنفسه ، وهي دلالة الشافعي .

ولا يدخل في هذا القياس ابتياع الأب مال ابنه الصغير بنفسه حيث صار فيه مالكا للبدل والقبول : لأن الأب يملك البدل بنفسه لا بإذن غيره ، فجاز أن يملك فيه القبول ، وخالف الولي في النكاح كما خالف الوكيل في البيع ، ولأنه ذكر اعتبر في النكاح احتياطا ، فلم يجز أن يكون زوجا كالشاهد : ولأن الولي مندوب لطلب الحظ لها في التماس من هو أكفأ وأغنى ، فإذا صار زوجا انصرف نظره إلى حظ نفسه دونها ، فعدم في عقده معنى الولاية فصار ممنوعا منه ، وليست الآية دليلا على ما اختلفا فيه من جواز أن يتزوجها بنفسه .

وأما الجواب عن قوله عليه السلام : لا نكاح إلا بولي فهو : إن هذا في حال تزويجه بها قد خرج أن يكون وليا لها لما ذكرنا من انصرافه عما وضع له الولي من طلب الحظ لها إلى طلب الحظ لنفسه .

فأما الجواب عن حديث سعيد : فهو أن النبي صلى الله عليه وسلم مخصوص بجواز النكاح بغير ولي عند كثير من أصحابنا ، فلم يجز أن يعتبر به حال غيره .

فأما على قول من اعتبر الولي في نكاحه ، فيقول لم يكن لصفية ولي غيره ، فصار في عقده عليها كالإمام إذا لم يجد لوليته وليا سواه يزوجها منه ، فيكون على ما سنذكره .

وأما الجواب عن قياسهم أنه نكاح بولي : فلا نسلم أنه يكون وليا لها إذا تزوجها : لما ذكرنا من زوال معنى الولاية عنه ، ثم المعنى في الأصل أن الباذل غير العائل .

وأما الجواب عن استدلالهم بأنه كفء لها لمناسبته ، فلم يحتج إلى ولي يلتمس الكفاءة ، وهي ليست معتبرة بالنسب وحده ، وقد يجوز أن لا يكافئها فيما سوى النسب من مال وعفاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية