الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " في باب الخيار من قبل النسب ، لو انتسب العبد لها أنه حر ، فنكحته ، وقد أذن له سيده ، ثم علمت أنه عبد أو انتسب إلى نسب وجد دونه ، وهي فوقه ، ففيها قولان : أحدهما أن لها الخيار : لأنه منكوح بعينه وغرر بشيء وجد دونه . والثاني : أن النكاح مفسوخ كما لو أذنت في رجل بعينه فزوجت غيره ( قال المزني ) رحمه الله : قد قطع أنه لو وجد دون ما انتسب إليه وهو كفء ، لم يكن لها ولا لوليها الخيار ، وفي ذلك إبطال أن يكون في معنى : من أذنت له في رجل بعينه فزوجت غيره فقد بطل الفسخ في قياس قوله ، وثبت لها الخيار " .

قال الماوردي : وصورتها في امرأة تزوجت رجلا على أنه حر فكان عبدا ، فإن نكح بغير إذن سيده فالنكاح باطل ، وإن نكح بإذن سيده نظر في الشرط ، فإن لم يقترن بالعقد وتقدم عليه أو تأخر عنه فالنكاح جائز ، وإن اقترن بالعقد ففي بطلان النكاح قولان ، وهكذا لو تزوجت على أنه ذو نسب شريف كهاشمي أو قرشي ، فكان غير ذي نسب ، أعجميا أو نبطيا ، وكان الشرط متقاربا للعقد ففي النكاح قولان ، وهكذا لو تزوجته على أنه شاب فكان شيخا ، أو [ ص: 141 ] على أنه طويل فكان قصيرا ، أو على أنه جميل فكان قبيحا ، أو على أنه أبيض فكان أسود ، أو على أنه غني فكان فقيرا ، ففي النكاح قولان ، وهكذا لو نكحها على شرط أدنى فكان أعلى ، مثل أن يتزوجها على أنه عبد فكان حرا أو على قبطي فكان عربيا ، أو على أنه شيخ فكان شابا ، أو على أنه قصير فكان طويلا ، أو على أنه قبيح فكان جميلا ، أو على ضد ما ذكرنا : ففي النكاح قولان ، وحكم الشرط إذا وجد زائدا عليه كحكمه إذا وجد ناقصا عنه ، وسواء كان اختلافهما في الحرية أو في النسب أو في الصفة أو في عقد النكاح في هذه الأحوال كلها على قولين :

أحدهما : أن النكاح باطل لأمرين :

أحدهما : أن الصفة في عقد النكاح تجري مجرى العين في عقود المعاوضات : لجواز الاقتصار عليها ، وإن لم يشاهد العين ، وإنه لا يجوز في عقود المعاوضات الاقتصار على صفة العين حتى تشاهد تلك العين فاقتضى أن يكون خلاف الصفة في النكاح جار في إبطال النكاح مجرى خلاف العين في البيع في إبطال البيع .

والثاني : أن إذن المرأة في نكاحه على هذه الصفة فتكون بخلافها فجرى مجرى إذنها لوليها أن يزوجها من هو على هذه الصفة فيزوجها من هو على خلافها ، ولو كان هكذا لكان النكاح باطلا ، فكذلك في مسألتنا .

والقول الثاني - وهو قول أبي حنيفة واختيار المزني - : أن النكاح صحيح ، ووجهه شيئان :

أحدهما : أنها صفات لا يفتقر صحة النكاح إلى ذكرها ، فوجب أن لا يبطل النكاح بخلافها كالصداق إذا وصف فكان بخلاف صفته .

والثاني : أنه منكوح بعينه وغرر بشيء وجد دونه فصار ذلك منه تدليسا ينقص ، وتدليس العيوب في العقود يوجب الخيار ولا يوجب الفسخ ، كالعيوب في البيع ، كذلك النكاح ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية