الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا قلنا ببطلان النكاح ، فإن لم يدخل بها الزوج فرق بينهما ، ولا مهر عليه ، ولا عدة عليها ، ولا يكون للعقد تأثير في لزوم شيء من الأحكام ، وإن دخل الزوج بها فرق بينهما لفساد العقد ، ولها حالتان :

إحداهما : أن يكون قد أحبلها . والثاني : أن تكون حائلا لم تحبل .

فإن لم يكن قد أحبلها تعلق بدخوله بها حكمان :

أحدهما : أن عليه للسيد مهر مثلها بالإصابة دون المسمى : لأن فساد العقد يمنع من استحقاق ما سمي فيه ، فصار مستهلكا لبضعها لشبهة ، فلزمه مهر المثل .

والثاني : وجوب العدة عليها : لأنها إصابة توجب لحوق النسب ، فأوجبت العدة ، ولا نفقة لها في زمان العدة : لارتفاع العقد الذي تستحق به النفقة .

فإذا غرم الزوج بالإصابة مهر المثل ، فهل يرجع به على من غره أم لا ؟ على قولين :

أحدهما - وهو قوله في القديم - : يرجع به على الغار : لأنه ألجأه إلى غرمه ، فصار كالشاهد إذا أوجب بشهادته غرما ، ثم رجع عنها لزمه غرم ما أغرم .

والقول الثاني : لا يرجع به على الغار : لأنه في مقابلة استمتاعه الذي لا ينفك من غرم ، إما المسمى إن صح العقد ، أو مهر المثل إن فسد ، فإذا قلنا : لا رجوع للزوج بالمهر على من غره تفرد بإلزامه للسيد . وإن قلنا : يرجع به على من غره ولم يرجع به قبل غرمه لجواز أن يبرئه السيد منه ، فإن أبرأه منه لم يرجع به ، كالضامن إذا أبرئ من الضمان لم يرجع على المضمون عنه بشيء ، وإن أغرمه السيد المهر رجع به الزوج حينئذ على من غره ، ومن يؤثر غروره اثنان : الأمة ووكيل السيد : لأن السيد لو غره لعتقت ، وإن غره أجنبي لم يكن لقوله في العقد تأثير ، فإن كانت الأمة هي الغارة كان الغرم في ذمتها إذا أعتقت وأسرت إذنه ، وإن كان الوكيل هو الغار أغرم في الحالة إن كان موسرا ، وأنظر به إلى وقت يساره إن كان معسرا ، فأما إن كان قد أحبلها ففي وجوب النفقة لها مدة حملها قولان :

أحدهما : لها النفقة إذا قيل : إن نفقة الحامل لحملها لا لها .

والقول الثاني : لا نفقة لها إذا قيل : إن نفقة الحامل لها لا لحملها ، فإذا وضعت تعلق بمولدها ثلاثة أحكام :

أحدها : لحوقه بالزوج لشبهة العقد .

والثاني : كونه حرا من حين علوقه : لأن اشتراط حريتها يتضمن حرية ولدها : لأن الحرة لا تلد إلا حرا .

والثالث : أن تغرم للسيد قيمة ولدها يوم وضعته : لأن ولد الأمة مملوكا لسيدها ، وقد صار الزوج مستهلكا لرقه بما يحدث من عتقه ، فلزمه غرم قيمته واعتبرناها يوم وضعه ، فإن كان قد عتق وقت علوقه : لأنه لا يقوم إلا بعد الوضع ، فإذا غرم الزوج قيمة الولد رجع بها على من غره قولا واحدا ، وإن كان في رجوعه بالمهر قولان .

[ ص: 145 ] والفرق بينهما : أن المهر مستحق في نكاح الحرة والأمة : لأنه في مقابلة الاستمتاع ، فلذلك لم يرجع به في الغرور بالأمة على أحد القولين ، وليس كذلك قيمة الولد : لأنه لا يستحق إلا في ولد الأمة دون الحرة ، فصار الغرور هو الموجب لغرمه ، فلذلك رجع به على من غره قولا واحدا ، فصار وطؤها وإحبالها موجبا لخمسة أحكام :

أحدها : مهر المثل .

والثاني : العدة .

والثالث : لحوق الولد .

والرابع : حريته .

والخامس : غرم قيمته .

فهذا إذا قيل بطلان النكاح .

التالي السابق


الخدمات العلمية