الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما عقده بالطلب والإيجاب ، فهو أن يبدأ الزوج فيقول للولي : زوجني بنتك على صداق ألف ، فيقول الأب : قد زوجتكها على هذا الصداق ، فيصح العقد ولا يحتاج الزوج إلى أن يعود فيقول : قد قبلت نكاحها ووافقه أبو حنيفة عليه ، وكذلك في البيع إذا ابتدأ المشتري ، فقال : بعني عبدك بألف ، فقال : قد بعتك هذا العبد بها ، صح البيع ، ولم يحتج المشتري أن يقول بعده : قد قبلت .

وخالفه أبو حنيفة في البيع فقال : لا يصح حتى يعود المشتري فيقول : قد قبلت ، بخلاف النكاح .

وهذا خطأ : لأن شروط النكاح أغلظ من شروط البيع ، فكان ما يصح به النكاح أولى أن يصح به البيع ، فإذا صح ما ذكرنا من تمام العقد بالطلب والإيجاب كتمامه بالبذل والقبول كان البذل هو ما ابتدأ به الولي ، والقبول ما أجاب به الزوج ، فإن الطلب ما ابتدأ به الزوج ، والإيجاب ما أجاب به الولي ، فيكون النكاح منعقدا من جهة الولي على أحد وجهين :

إما بالبذل إن كان مبتدئا ، أو بالإيجاب إن كان مجيبا .

ومن جهة الزوج منعقد على أحد وجهين : إما بالطلب إن كان مبتدئا ، وبالقبول إن كان مجيبا ، فصار طلب الزوج في الابتداء قبولا في الانتهاء ، وقبوله في الانتهاء طلبا في الابتداء ، وصار بذل الولي في الابتداء إيجابا في الانتهاء وإيجابه في الانتهاء بذلا في الابتداء ، وإذا كان كذلك لم يخل إيجاب الولي بعد طلب الزوج من ثلاثة أحوال كما ذكرنا في قبول الزوج بعد بذل الولي :

إحداها : أن يقول الولي : قد زوجتكها على هذا الصداق الذي بذلته ، فينعقد النكاح على الصداق والذي سماه الزوج ، وهو ألف .

والحال الثانية : أن يقول الولي قد زوجتكها ، ولا يقول على هذا الصداق ، فيصح العقد ، ولا يلزم فيه ذلك المسمى من الصداق : لأن الولي ما صرح بالإجابة إليه .

وعند أبي حنيفة يكون منعقدا على الصداق المبذول .

وإذا بطل المسمى عندنا كان لها مهر المثل ، فلو كان الأب قال : زوجتكها على صداق ألفين لم يلزم واحد من الصداقين ، وكذلك عند أبي حنيفة ، ويكون لها مهر المثل ، ولو كان الأب قال : قد زوجتكها على صداق خمسمائة لم يلزم واحد من الصداقين عندنا .

وقال أبو حنيفة : يلزم أقلهما ويصير الأب مبرئا له من الزيادة .

والحال الثالثة : أن يقول الولي بعد طلب الزوج : قد فعلت ، أو يقول : قد أجبتك ولا يقول : قد زوجتكها ، فلا ينعقد النكاح عندنا قولا واحدا ، بخلاف ما ذكرنا من القولين في قبول الزواج .

والفرق بينهما : أن الولي هو المملك لبضع المنكوحة ، والزوج هو المتملك فكان اعتبار [ ص: 162 ] الصريح في لفظ المملك أقوى من اعتباره في لفظ المتملك ، وعند أبي حنيفة يكون النكاح منعقدا على أصله .

التالي السابق


الخدمات العلمية