الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر وجوب الأب على أصح القولين ، فالكلام فيه يشتمل على ثلاثة فصول :

أحدها : فيمن يجب إعفافه من الآباء .

والثاني : فيمن يجب عليه الإعفاف من الأبناء .

والثالث : فيما يكون به الإعفاف .

[ القول فيمن يجب إعفافه من الآباء ]

فأما الفصل الأول فيمن يجب إعفافه من الآباء : فهو كل والد فيه بعضية وإن علا ، وسواء كان ذا عصبة من قبل الأب كأبي الأب ، أو كان ذا رحم كأبي الأم ، وهما في وجوب النفقة والإعفاف سواء ، وهكذا أبو أبي الأب وأبو أبي الأم ، وهكذا أبو أم الأب وأبو أم الأم هما سواء في الزوج وسواء في وجوب النفقة والإعفاف ، وهكذا لو اختلف درجهما ، فكان أحدهما أبا أب ، والآخر أبا أم ، وجبت نفقتها وإعفافها إذا أمكن تحمل الولد لهما .

فأما إذا اجتمع أبوان وضاقت حال الابن عن نفقتهما وإعفافهما ، وأمكنه القيام بأحدهما فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يستويا في الدرج .

والثاني : أن يتفاضلا .

فإن استويا في الدرج فعلى ضربين :

أحدهما : أن يكون أحدهما عصبة والآخر ذا رحم كأبي أبي الأب وأبي أم الأم ، فالعصبة منهما أحق بتحمل نفقته وإعفافه من ذي الرحم لقوة سببه .

والضرب الثاني : أن يكونا جميعا ذا رحم كأبي أم الأب ، وأبي أب الأم فهما سواء في الدرجة والرحم ، وليس يجوز أن يستوي أبوان في الدرجة والتعصيب ، وإن جاز أن يستويا في الدرجة والرحم ، وإذ كان كذلك وجب أن يسوي بينهما : لاستوائهما في كيفية التسوية بينهما ، إذا أعجزه القيام بهما وجهان :

أحدهما : ينفق على أحدهما يوما ، وعلى الآخر يوما لتكمل نفقة كل واحد منهما في يومه .

والوجه الثاني - وهو عندي أصح - : ينفق على كل واحد منهما في كل يوم نصف نفقته : لتكون النفقة في كل يوم بينهما ، فأما الإعفاف فلا يجيء فيه هذان الوجهان : لأن المهاياة بينهما على الوجه الأول لا يمكن ، والقسمة بينهما فيه على الوجه الثاني لا يمكن ، وإذا لم يمكنا وجب مع استواء سيدهما أن يقرع بينهما فيه ، فأيهما قرع كان أحق بالإعفاف من الآخر ، وأما إن تفاضلا في الدرج فعلى ضربين :

[ ص: 185 ] أحدهما : أن يكون الأقرب عصبة والأبعد ذا رحم ، كأبي الأب وأبي أم الأم فيكون أبو الأب أحق بالنفقة والإعفاف من أبي أم الأم لاختصاصه بسببي القربى والتعصيب .

والضرب الثاني : أن يكون الأقرب ذا رحم والأبعد عصبة ، كأبي الأم وأبي أبي الأب .

فقد قال أبو حامد الإسفراييني : هما سواء : لأن الأقرب منهما ناقص الرحم ، والأبعد منهما زائد بالتعصيب ، فتقابل السببان ، فاستويا .

وهذا الذي قاله عندي غير صحيح ، بل الأقرب منهما أحق ، وإن كان ذا رحم من الأبعد ، وإن كان ذا تعصيب : لأن المعنى في استحقاق النفقة والإعفاف هو الولاية دون التعصيب ، فلما تساوت الدرج وقوي أحدهما بالتعصيب ، كان أحق كأخوين أحدهم لأب وأم ، والآخر لأب .

وإذا اختلف الدرج كان الأقرب أحق ، وإن قوي الآخر لتعصيب كأخ لأب وابن أخ لأب وأم .

التالي السابق


الخدمات العلمية