الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وقال عمر : يطلق تطليقتين ، وتعتد الأمة حيضتين ، والتي لا تحيض شهرين ، أو شهرا ونصفا ، وقال ابن عمر : إذا طلق العبد امرأته اثنتين حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ، وعدة الحرة ثلاث حيض ، والأمة حيضتان ، وسأل نفيع عثمان وزيدا ، فقال : طلقت امرأة لي حرة تطليقتين ، فقالا : حرمت عليك ( قال الشافعي ) وبهذا كله أقول " .

قال الماوردي : وهذا كما قال : لا يملك العبد من الطلاق إلا اثنتين في الحرة والأمة ، ويملك الحر ثلاثا في الحرة والأمة ، فيكون الطلاق معتبرا بالزوج دون الزوجة .

وقال أبو حنيفة : الطلاق معتبر بالزوجات دون الأزواج ، فيملك زوج الحرة ثلاث طلقات حرا كان أو عبدا ، وزوج الأمة تطليقتين حرا كان أو عبدا : استدلالا سنذكره من بعد مستوف لقول الله تعالى : إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن [ الطلاق : 1 ] فجعل الطلاق معتبرا بالعدة ، ثم كانت العدة معتبرة بالنساء دون الأزواج ، فكذلك الطلاق .

ولما روى عطية العوفي عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : طلاق الأمة اثنتان ، وحيضتها اثنتان ، وعدتها حيضتان فجعل الطلاق والعدة معتبرا بالمطلقة والمعتدة : ولأن [ ص: 194 ] الحر لما ملك اثنا عشرة طلقة في الحرائر الأربع وجب أن يملك العبد ست طلقات في الحرتين : ليكون على النصف في عدد الطلقات ، كما كان على النصف في عدد الزوجات . ودليلنا قوله تعالى : هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء [ الروم : 28 ] إنكارا لتساويهما في شيء من الأموال ، فكذلك في الطلاق لأنه نوع من الملك .

وروي عن أم سلمة أنها قالت : يا رسول الله كم طلاق العبد ، فقال : طلقتان ، قالت : وعدة الأمة ، قال : حيضتان .

وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يطلق العبد تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين . وكذلك قال عمر خاطبا على المنبر .

وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة ، قال : حدثني نفيع أنه كان مملوكا وتحته حرة فطلقها طلقتين ، وسأل عثمان وزيد بن ثابت ، فقالا : طلاقك طلاق عبد ، وعدتها عدة حرة .

وروي عن أبي سلمة وابن عباس قال : قد حرمت عليك ، وليس لمن ذكرنا ، فخالف من الصحابة فكان إجماعا ، ولأنه لما ملك الحر رجعتين وجب أن يملك العبد رجعة واحدة : لأنه فيما يملك بالنكاح على النصف من الحر .

فأما استدلاله بالآية فالمقصود بها وقوع الطلاق في العدة : لأنه في العدة معتبر بالعدة .

وأما الخبر فمحمول على أنه كان زوجها عبدا : لأن الأغلب من أزواج الإماء العبيد ، وأما استدلاله بأنه لما ملك الحر اثنتي عشرة طلقة وجب أن يملك العبد ست طلقات فخطأ : لأن العبد يملك زوجتين ، والحر يملك في الزوجتين ست طلقات ، فلم يجز أن يساويه العبد فيهن ، ووجب أن يكون مالكا لنصفهن ، وكان قياسه أن يملك ثلاث طلقات في الزوجتين لكن لما لم يتبعض الطلاق فيصير مالكا لطلقة ونصف في كل واحدة كما الكسر ، فصار مالكا لأربع طلقات في الزوجتين ، فكان هذا استدلالا بأن يكون لنا دليل أشبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية