الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها ، ونهى عمر رضي الله عنه عن الأم وابنتها من ملك اليمين ، وقال ابن عمر : وددت أن عمر كان في ذلك أشد مما هو ، ونهت عن ذلك عائشة ، وقال عثمان في جمع الأختين : أما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك ، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لو كان إلي من الأمر شيء ثم وجدت رجلا يفعل ذلك لجعلته نكالا ، قال الزهري أراه علي بن أبي طالب " .

[ ص: 204 ] قال الماوردي : وهذا كما قال ، الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها حرام بعقد النكاح وملك اليمين ، كالجمع بين أختين . وهو قول الجمهور .

وحكي عن الخوارج وعثمان البتي أنه لا يحرم الجمع بينهما في نكاح ولا ملك يمين ، وحرم داود الجمع بينهما في النكاح دون ملك اليمين ، فأما داود فقد مضى الكلام معه في الجمع بعد الأختين ، وأما البتي والخوارج فاستدلوا بأن تحريم المناكح مأخوذ من نص الكتاب دون السنة ، ولم يرد الكتاب بذلك ، فلم يحرم .

وهذا خطأ : لأن كل ما جاءت به السنة يجب العمل به ، كما يلزم بما جاء به الكتاب : قال الله تعالى : وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [ النجم : 3 ، 4 ] .

وقد جاءت السنة بما رواه مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها .

وروى داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا العمة على بنت أخيها ، ولا تنكح المرأة على خالتها ، ولا الخالة على بنت أختها ، ولا تنكح الصغرى على الكبرى ، ولا الكبرى على الصغرى .

وهذان الحديثان نص ، والثاني أكمل ، وهما وإن كانا خبري واحد فقد تلقته الأمة بالقبول ، وعمل به الجمهور ، فصار بأخبار التواتر أشبه ، فلزم الخوارج العمل به ، وإن لم يلتزموا أخبار الآحاد ، ولأن الأختين يحرم الجمع بينهما : لأن إحداهما لو كان رجلا حرم عليه نكاح أخته كذلك المرأة وخالتها وعمتها يحرم الجمع بينهما : لأنه لو كان إحداهما رجلا حرم عليه نكاح عمته وخالته .

فأما الجمع بين المرأة وبين بنت عمتها ، أو بينها وبين بنت عمها فيجوز ، وكذلك الجمع بين المرأة وبنت خالتها ، أو بينها وبين بنت خالها فيجوز : لأن إحداهما لو كان رجلا لجاز أن يتزوج بنت عمه ، وبنت عمته ، وبنت خاله ، وبنت خالته ، وهذا هو أصل في تحريم الجمع وإخلاله بين ذوات الأنساب ، وبهذا المعنى حرمنا عليه الجمع بين المرأة وعمة أبيها وعمة أمها ، وبينها وبين خالة أبيها وخالة أمها : لأن أحدهما لو كان رجلا حرم عليه نكاح الأخرى ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية