الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما الشافعي : فإنه حكى مناظرة بينه وبين العراقيين في هذه المسألة ، اختلف أصحابنا فيه .

فقال بعضهم : هو محمد بن الحسن .

وقال آخرون : هو بشر المريسي ، فقال الشافعي : قال لي قائل ، يقول : لو قبلت امرأة ابنه لشهوة ، حرمت على زوجها أبدا ، لم قلت هذا ؟ ، فهذا سؤال أورده عليه المخالف ، فمن أصحابنا من قال : قد أخطأ المزني في نقله ، وإنما هو : لم لا ؟ ، قلت : هذا ، فحذف " لا " وقال " لم " ، قلت : هذا سهوا منه ، وقال آخرون : بل نقل المزني صحيح : لأن الشافعي ذكر مذهبه في أن الحرام لا يحرم الحلال وطأ كان أو لمسا ، فقال له المخالف أنا أقول : لو قبلت امرأة ابنه بشهوة حرمت عليه أبدا ، لم قلت هذا الذي تقدم منك في أن الحرام لا يحرم الحلال .

فأجاب الشافعي عن ذلك ، فقال من قبل : إن الله تعالى حرم أمهات نسائكم ، وهذا بالنكاح ، فلم يجز أن يقاس الحرام بالحلال ، يعني أنه لما كان النص واردا في النكاح كان الحكم مقصورا عليه ، ولم يكن الحرام ملحقا به : لأن حكم الحرام مخالف لحكم الحلال ، ثم قال الشافعي : وقوله تعالى حاكيا عن هذا القائل ، فقال لي : أحدهما جماعا وجماعا ، يعني أن وطء الزنا جماع ووطء النكاح جماع ، فاقتضى لتساويهما أن يستوي حكمهما ، فأجابه الشافعي عن هذا بأن فرق بين الجماعين في الحكم ، فقال : جماعا حمدت به ، وجماعا رجمت به ، وأحدهما نعمة وجعلته نسبا وصهرا وأوجب به حقوقا وجعلك محرما لأم امرأتك وابنتها تسافر بهما ، وجعل الزنا نقمة في الدنيا بالحدود ، وفي الآخرة بالنار إلا أن يعفو الله ، أفتقيس الحرام الذي هو نقمة على الحلال الذي هو نعمة .

فبين الشافعي بأن الجماعين لما افترقا في هذه الأحكام التي أجمعنا عليها وجب أن يفترقا في تحريم المصاهرة التي اختلفنا فيها ، ثم إن الشافعي استأنف سؤالا على هذه المناظرة له ، فقال : إن قال لك قائل : وجدت المطلقة ثلاثا تحل بجماع الزوج فأحلها بالزنا ؟ ! لأنه جماع كجماع كما حرمت به الحلال ، ولأنه جماع وجماع ، فأجابه هذا المناظر بأن قال : إذا تخطئ : لأن الله تعالى أحلها بإصابة زوج ، فقال الشافعي : وكذلك ما حرم في كتابه بنكاح زوج وإصابة زوج ، فأورد أول السؤال نقضا ثم بين أنهم قد جعلوا بين الجماعين فرقا : لأنه ألحق الجماع الحرام بالجماع الحلال من حيث جمعهما بالاسم ، فعارضه بتحليلها للزوج بالجماع الحرام ، قياسا على الجماع الحلال لاجتماعهما في الاسم ، فأقر بتخطئة قائله ، فصار نقضا ، واعترافا بأن اجتماعهما في الاسم ليس بعلة في الحكم ، ثم حكى الشافعي سؤالا استأنفه مناظره .

فقال : قال لي أفيكون شيء يحرمه الحلال لا يحرمه الحرام أقول به ؟

فأجابه الشافعي عن هذا بأن قال : نعم ، ينكح أربعا فيحرم عليه أن ينكح من النساء خامسة ، أفيحرم عليه إذا زنا بأربع شيء من النساء ؟

[ ص: 218 ] قال المناظر : لا يمنعه الحرام ما منعه الحلال ، فكان هذا منه زيادة اعتراف تفرق ما بين الحلال والحرام ، ثم إن الشافعي حكى عنه استئناف سؤال يدل به على أن الحرام قد يحرم الحلال وهو أن ترتد المرأة فتحرم بالردة على زوجها ، فلم يمتنع أن يكون الحرام محرما للحلال .

فأجابه الشافعي رضي الله عنه بأن قال : نعم تحرم عليه ، وعلى جميع الناس ، وأقتلها وأجعل مالها فيئا ، يريد بذلك أن تحريم الردة عام ، ولا يختص بتحريم النكاح ، وإنما دخل فيه تحريم النكاح تبعا ، فجاز أن يكون مخالفا لحكم ما يختص بتحريم النكاح ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية