الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن ارتدت إلى مجوسية أو إلى غير دين أهل الكتاب ، فإن رجعت إلى الإسلام أو إلى دين أهل الكتاب قبل انقضاء العدة فهما على النكاح ، وإن انقضت قبل أن ترجع فقد انقطعت العصمة : لأنه يصلح أن يبتدئ " .

قال الماوردي : وصورتها في مسلم تزوج ذمية ، فانتقلت من دينها إلى غيره فهذا على أربعة أقسام :

أحدها : أن تنتقل عنه إلى الإسلام فقد زادته خيرا ، والنكاح بحاله وما زاده الإسلام إلا صحة ، وسواء كان قبل الدخول بها أو بعده .

والقسم الثاني : أن تنتقل عن دينها إلى دين يقرها أهله عليه ، كأنها كانت نصرانية فتزندقت أو توثنت ، فلا يجوز أن تقر عليه : لأنه لما لم يقر عليه من كان متقدم الدخول فيه فأولى أن لا يقر عليه من تأخر دخوله فيه ، وإذا كان كذلك نظر في ردتها ، فإن كانت قبل دخوله بها بطل نكاحها ، كما يبطل نكاح المسلمة إذا ارتدت قبل الدخول ، وإن كانت ردتها عن دينها بعد الدخول بها كان النكاح موقوفا على انقضاء العدة ، فإن رجعت قبل انقضائها إلى الدين الذي تؤمن به ويجوز نكاح أهله كانا على النكاح ، وإن لم ترجع حتى انقضت العدة بطل النكاح ، وفي الدين الذي تؤمن بالدخول إليه ثلاثة أقوال :

أحدها : الإسلام لا غير : لأنها كانت مقرة على دينها : لإقرارها بصحته ، وقد صارت بانتقالها عنه مقرة ببطلانه ، فلم يقبل منها إلا دين الحق ، وهو الإسلام .

والقول الثاني : أنها تؤخذ بالرجوع إلى الإسلام أو إلى دينها الذي كانت عليه ، ولا يقبل منها الرجوع إلى غيره من الأديان ، فإن أقر أهلها عليه : لأنه الذي تناوله عقد ذمتها ، فكان أحصن أديان الكفر بها ، وليس لإقرارها بصحته تأثير في صحته ، فلذلك جاز أن تقر عليه بعد رجوعها إليه .

والقول الثالث : أنها تؤخذ برجوعها إلى الإسلام ، فإن أبت فإلى دينها الذي كانت عليه ، أو إلى دين يقر أهله عليه فيستوي حكم دينها وغيره من الأديان التي يقر أهلها عليها في رجوعها إلى ما شاءت منها : لأن الكفر كله عندنا ملة واحدة ، وإن تنوع . فإذا تقرر توجيه هذه الأقاويل فلها حالتان :

إحداهما : أن ترجع إلى الدين الذي أمرت بالرجوع إليه .

والحال الثانية : أن لا ترجع إليه ، فإن لم ترجع إليه ، وأقامت على دينها ، فنكاحها قد بطل ، ولا مهر لها إن كان قبل الدخول ، ولها المهر إن كان بعد الدخول . وما الذي يوجب حكم هذه الردة فيه قولان : [ ص: 232 ] أحدهما : القتل كالمسلمة إذا ارتدت .

والقول الثاني : أن تبلغ مأمنها من دار الحرب ، ثم تصير حربا ، وإن رجعت إلى الدين الذي أمرت به فهي على حقن دمها ، وفي أمان ذمتها ، ثم ينظر في الدين الذي رجعت إليه فإن كان دينا يجوز نكاح أهله كالإسلام أو اليهودية أو النصرانية ، فالنكاح معتبر بما قدمناه ، وإن لم يكن قد دخل بها فقد بطل ، وإن كان قد دخل بها ؛ فإن كان الرجوع إلى الدين المأمورة به بعد انقضاء العدة فقد بطل أيضا ، وإن كان قبل انقضاء العدة ، فهما على النكاح ، وإن كانت قد رجعت إلى دين يقر أهله عليه ولا يجوز نكاح أهله كالمجوسية والصابئة والسامرة ، فالنكاح باطل ، وإن كانت مقرة على هذا الدين ، ما لم تنتقل عنه قبل انقضاء العدة إلى دين يجوز نكاح أهله فتكون ممن قد ارتفع عنها حكم الردة ، ولم يرتفع عنها وقوف النكاح .

التالي السابق


الخدمات العلمية