الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت أن نكاح الحر للأمة معتبر بما أوضحناه من الشروط الثلاثة ، فليس له إذا استكملت فيه أن ينكح أكثر من أمة واحدة .

وقال أبو حنيفة ، ومالك : يجوز أن ينكح منهن أربعا كالحرائر : استدلالا بقول الله تعالى : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات [ النساء : 25 ] فأطلق ملك اليمين إطلاق جمع ، فحمل على عمومه في استكمال أربع كالحرائر : ولأن كل جنس حل نكاح الواحدة منه حل نكاح الأربع منه كالحرائر طردا والوثنيات عكسا : ولأن كل من جاز أن له أن يتزوج بأكثر من حرة واحدة ، جاز له أن يتزوج بأكثر من أمة واحدة كالعبد .

ودليلنا قول الله تعالى : ذلك لمن خشي العنت منكم [ النساء : 25 ] وهذا إذا تزوج أمة واحدة فقد أمن العنت ، فلم يجز أن يتزوج بأمة قياسا على ما تحته من الحرائر أخرى ، ولك تحري هذا قياسا ، فنقول : إنه حر أمن العنت ، فلم يجز أن يتزوج بأمة قياسا على من تحته حرة ، وإن شئت قلت حر قادر على وطء بنكاح قياسا على هذا الأصل ، ولأنه محظور إلا عند الضرورة ، فلم يستبح منه إلا ما دعت إليه الضرورة كأكل الميتة .

فأما الاستدلال بالآية ، فلا يقتضي إلا أمة واحدة : لأنه قال : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات [ النساء : 25 ] فلما كان المراد بالحرائر المحصنات واحدة وجب أن يكون المراد بما في مقابلتهن من الإماء واحدة ، وعلى أن الأمة بدل من الحرة ولا يجوز أن يكون البدل أوسع حكما من المبدل .

[ ص: 240 ] وأما قياسهم على الحرائر ، فالمعنى فيهن : جواز العقد عليهن بغير ضرورة ، ولأنه لا يسترق ولده فيدخل عليه باسترقاقه ضرر فخالف نكاح الإماء من هذين الوجهين :

وأما الجواب عن قياسهم على العبد : فهو أنه يجوز أن ينكح الأمة لغير ضرورة ، وليس عليه استرقاق ولده ضرر ، فخالف الحر من هذين الوجهين ، فعلى هذا لو تزوج أمتين ثبت نكاح الأولى وبطل نكاح الثانية ، فإن تزوجها في عقد واحد بطل نكاحهما : لأن إحداهما إن حلت فهي غير معينة ، فصار كمن تزوج أختين بطل نكاح الثانية ، إن تزوجها في عقدين ، فأبطل نكاحهما إن تزوجهما في عقد واحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية