الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وحاجني من لا يفسخ نكاح إماء غير المسلمات ، فـقال : لما أحل الله بينهما ، ولا نفقة لها : لأنها مانعة له نفسها بالردة ، وإن ارتدت من نصرانية إلى يهودية أو من يهودية إلى نصرانية لم تحرم [ . . . ] تعالى نكاح الحرة المسلمة دل على نكاح الأمة ، قلت : قد حرم الله تعالى الميتة ، واستثنى إحلالها للمضطر ، فهل تحل لغير مضطر ، واستثنى من تحريم المشركات إحلال حرائر أهل الكتاب ، فهل يجوز حرائر غير أهل الكتاب ، فلا تحل إماؤهم ، وإماؤهم غير حرائرهم ، واشترط في إماء المسلمين ، فلا يجوز له إلا بالشرط ، وقلت له : لم لا أحللت الأم كالربيبة وحرمتها بالدخول كالربيبة : ( قال ) لأن الأم مبهمة ، والشرط في الربيبة ( قلت ) فهكذا قلنا في التحريم في المشركات ، والشرط في التحليل في الحرائر وإماء المؤمنات " .

قال الماوردي : وإذ قد مضى الكلام في الشروط المعتبرة في نكاح الأمة من جهة الزوج بقي الكلام في الشروط المعتبرة من جهتها ، وهو إسلامها ، فلا يجوز للمسلم نكاح أمة كافرة بمال .

وقال أبو حنيفة : يجوز له نكاح الأمة الكافرة ، كما يجوز له نكاح الحرة الكافرة : استدلالا بقوله تعالى : فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم [ النساء : 3 ] فكانت على عمومها : ولأن كل من جاز له وطئها بملك اليمين جاز له وطئها بملك نكاح كالمسلمة ، ولأن في الأمة الكافرة نقصان : نقص الرق ، ونقص الكفر ، وليس لكل واحد من النقصين تأثير في المنع من النكاح إذا انفرد وجب أن لا يكون لهما تأثير فيه إذا اجتمعا .

ودليلنا قوله تعالى : ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات [ النساء : 25 ] فجعل نكاح الأمة مشروطا بالإيمان ، فلم يستبح مع عدمه ، قال تعالي : اليوم أحل لكم الطيبات إلى قوله : والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم [ المائدة : 5 ] والمحصنات هاهنا الحرائر ، فاقتضى أن لا يحل نكاح إماء أهل الكتاب : ولأن ذلك إجماع : لأنه مروي عن عمر وابن مسعود ، وليس لهما مخالف ، ولأنها امرأة اجتمع فيها نقصان لكل واحد منهما تأثير في المنع من النكاح ، فوجب أن يكون اجتماعهما موجبا لتحريمهما على المسلم كالحرة المجوسية أحد نقصيها الكفر ، والآخر عدم الكتاب ، والأمة الكتابية أحد نقصيها الرق والآخر الكفر : ولأن نكاح المسلم للأمة الكافرة يفضي إلى أمرين يمنع الشرع من كل واحد منهما .

[ ص: 244 ] أحد الأمرين : أن يصير ولدها المسلم مرقوقا لكافر ، والشرع يمنع من استرقاق كافر لمسلم .

والثاني : أن يسبى المسلم : لأن ولدها المسلم ملك لكافر ، وأموال الكافر يجب أن تسبى ، والشرع يمنع من سبي المسلم ، وإذا كان الشرع مانعا مما يفضي إليه نكاح الأمة الكافرة وجب أن يكون مانعا من نكاح الأمة الكافرة .

فأما الاستدلال بقوله تعالى : وما ملكت أيمانكم فالمراد به الاستمتاع بهن بملك اليمين ، لا بعقد النكاح ، فجاز أن يستوي فيه استباحة المسلمة والكتابية : لأنه قد استقر عليها ملك مسلم ، فلم يفضي إلى سبي ولدها ، وكذلك الحكم في نكاح الأمة المسلمة ، فلم يجز الجمع بين نكاحها ونكاح الأمة الكافرة .

وأما قوله : إن كل واحد من النقصين لا يمنع فكذلك اجتماعهما ، قلنا : لكل واحدة منهما تأثير في المنع ، فصار اجتماعهما مؤثرا في التحريم .

التالي السابق


الخدمات العلمية