الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما البائن لا تحل للزوج : فالمطلقة ثلاثا ، أو المتوفى عنها زوجها ، وإن لم يتوجه إلى الزوج بعد موته تحليل ولا تحريم ، فإذا كانت في عدة من وفاة زوج فحرام أن يصرح أحد بخطبتها لقوله تعالى : ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله [ البقرة : 235 ] يريد بالعزم على عقدة النكاح التصريح بالخطبة ، وبقوله : " حتى يبلغ الكتاب أجله يريد به انقضاء العدة ، ولأن في المرأة من غلبة الشهوة والرغبة في الأزواج ما ربما يبعثها [ ص: 248 ] على الإخبار بانقضاء العدة قبل أوانها ، وقولها في انقضائها مقبول فتصير منكوحة في العدة ، فحظر الله تعالى التصريح بخطبتها : حسما لهذا التوهم . فأما التعريض بخطبتها في العدة بما يخالف التصريح من القول المحتمل فجائز ؛ قال الله تعالى : ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم [ البقرة : 235 ] يعني بما عرضتم من جميل القول ، أو أكننتم في أنفسكم من عقد النكاح .

وروي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءها بعد موت أبي سلمة وهي تبكي ، وقد وضعت خدها على التراب حزنا على أبي سلمة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قولي إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم اغفر له واعقبني منه ، وعوضني خيرا منه ، وقالت أم سلمة : فقلت في نفسي من خير من أبي سلمة ، أول المهاجرين هجرة ، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمي ، فلما تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم علمت أنه خير منه فدلت هذه الآية والخبر على جواز التعريض بخطبة المعتدة من الوفاة ، وأما المعتدة من الطلاق فثلاث ، فلا يجوز للزوج المطلق أن يخطبها بصريح ، ولا تعريض : لأنها لا تحل له بعد العدة فحرمت عليه الخطبة .

وأما غير المطلق فلا يجوز له أن يصرح بخطبتها ، ويجوز أن يعرض لها ، لما روي أن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها أبو عمرو بن حفص ثلاثا ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم - وهي في العدة - : إذا أحللت فآذنيني ، وروت أنه قال لها : إذا حللت فلا تسبقيني بنفسك ، فكان ذلك تعريضا لها .

وفي معنى المطلقة ثلاثا : الملاعنة ، والمحرمة بمصاهرة أو رضاع ، فإذا حل التعريض بخطبتها ، ففي كراهيته قولان :

أحدهما - قاله في كتاب " الأم " - : أنه مكروه : لأن الآية واردة في المتوفى عنها زوجها .

والقول الثاني : أنه غير مكروه . قاله في القديم " والإملاء " .

قال الشافعي : ولو قال قائل : أمرها في ذلك أخف من المتوفى عنها زوجها ، جاز ذلك : لأن هناك مطلقا به يمنع من تزويجها قبل العدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية