الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما الحال الثانية : وهو أن يسلم أحد الزوجين ، فينظر : فإن أسلم الزوج وزوجته كتابية ، فالنكاح بحاله : لأنه يجوز أن يبتدئ نكاحها في الإسلام ، فجاز أن يستديم نكاحها في الشرك ، وإن كانت زوجته وثنية ، أو أسلمت الزوجة وكان زوجها كتابيا أو وثنيا ، فكل ذلك سواء : لأن الجمع بينهما بعد إسلام أحدهما محرم ، وإذا كان كذلك نظر في إسلام أحدهما ، فإن كان قبل الدخول بطل النكاح ، وإن كان بعده كان موقوفا على انقضاء العدة ، فإن أسلم المتأخر في الشرك منهما قبل انقضائها ، كانا على النكاح ، وإن لم يسلم حتى انقضت بطل النكاح ، وسواء تقدم بالإسلام الزوج أو الزوجة ، وسواء كان الإسلام في دار الحرب أو دار الإسلام .

وقال مالك : إن تقدمت الزوجة بالإسلام كان الحكم على ما ذكرناه إن كان قبل الدخول بطل النكاح ، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة ، وإن تقدم الزوج بالإسلام كان النكاح باطلا إلا أن تسلم الزوجة بعده بزمان يسير كيوم أو يومين .

وقال أبو حنيفة : إن أسلم أحدهما ، فلهما ثلاثة أحوال :

حال يكونان في دار الحرب ، وحال يكونان في دار الإسلام ، وحال يكون أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام .

[ ص: 259 ] فإن كانا في دار الحرب ، فأسلم أحدهما ، فالنكاح موقوف على انقضاء العدة سواء كانت قبل الدخول أو بعده .

وإن كانا في دار الإسلام ، فأسلم أحدهما ، كان النكاح موقوفا على الأبد قبل الدخول وبعده ، إلا أن يعرض الإسلام على المتأخر في الشرك فيمتنع ، فيوقع الحاكم بطلقة .

وإن كان أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام ، فإسلام من حصل في ذلك الإسلام موجب لفسخ النكاح في الحال قبل الدخول وبعده من غير وقف ، وسواء كان المسلم هو الزوج أو الزوجة .

وقال داود ، وأبو ثور : إسلام أحدهما دون الآخر موجب لفسخ النكاح في الحال من غير وقف على أي حال كان إسلامه ، وفي أي مكان كان .

فأما مالك فاستدل لمذهبه بقول الله تعالى : ولا تمسكوا بعصم الكوافر [ الممتحنة : 10 ] فوجب أن يحرم على المسلم التمسك بعصمة كافر ، ولأن إسلام أحد الزوجين إذا كان مؤثرا في الفرقة كان معتبرا بإسلام الزوج دون الزوجة : لأن الفرقة إلى الرجال دون النساء .

والدليل عليه ما روي أن أبا سفيان وحكيم بن حزام أسلما على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وزوجتاهما في الشرك بمكة ، فأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا هريرة إلى هند زوجة أبي سفيان ، فقرأ عليها القرآن وعرض عليها الإسلام ، فأبت ثم أسلمت ، وأسلمت زوجة حكيم على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقرهما على النكاح مع تقدم إسلام الزوجين ، ولأن حظر المسلمة على الكافر أغلظ من حظر الكافرة على المسلم : لأن المسلمة لا تحل لكتابي ، والمسلم تحل له الكتابية ، فلما لم يتعجل فسخ نكاح المسلمة مع الكافر ، فأولى أن لا يتعجل فسخ نكاح الكافر مع المسلمة .

فأما الآية فلا دليل له فيها : لأنه ممنوع أن يتمسك بعصمتها في الكفر ، وإنما تمسك بعصمتها بعد الإسلام .

وأما استدلاله بأن الفرقة إلى الزوج دون الزوجة ، فذاك في فرقة الاختيار التي يوقعها المالك والطلاق ، فأما فرقة الفسوخ فيستوي فيها الزوجان .

التالي السابق


الخدمات العلمية