الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما القسم الرابع : وهو أن يسلم بعضهن قبله وبعضهن بعده .

[ ص: 270 ] مثاله : أن يسلم قبله اثنتان وبعده اثنتان ، فهذا على أربعة أقسام :

أحدها : أن يكون موسرا عند إسلام الأوائل والأواخر ، فنكاح الجميع باطل ، لكن ينفسخ نكاح الأوائل بإسلام الزوج لا بإسلامهن قبله ، وينفسخ نكاح الأواخر بإسلامهن لا بإسلام الزوج قبلهن : لأن كل واحد من النكاحين ينفسخ باجتماع الإسلامين واجتماعهما في الأوائل ، فيكون بإسلام الزوج واجتماعهما في الأواخر يكون بإسلام الأواخر .

والقسم الثاني : أن يكون معسرا عند إسلام الأوائل والأواخر ، فله أن يختار نكاح واحدة إن شاء من الأوائل وإن شاء من الأواخر : لأن كل واحدة من الفريقين يجوز عند اجتماع الإسلامين أن يستأنف نكاحها ، فجاز أن يختارها ، فإذا اختار واحدة من أحد الفريقين انفسخ باختياره نكاح الباقيات واستأنفن عدد الفسخ .

والقسم الثالث : أن يكون عند إسلام الأوائل معسرا ، وعند إسلام الأواخر موسرا ، فيبطل نكاح الأواخر بإسلامهن ، وله أن يختار من الأوائل واحدة وينفسخ باختياره نكاح الأخرى .

والقسم الرابع : أن يكون موسرا عند إسلام الأوائل معسرا عند إسلام الأواخر ، فنكاح الأوائل باطل بإسلام الزوج ، وله أن يختار من الأواخر واحدة ، فإن أسلمتا معا اختار أيتهما شاء ، وانفسخ باختياره نكاح الأخرى ، وإن أسلمت إحداهما بعد الأخرى فهو مخير بين تعجيل اختيار الأولى وبين تأخيره إلى إسلام الثانية ، فإذا كان كذلك ، فلها أربعة أحوال :

أحدها : أن يمسك عن الاختيار إلى أن تسلم الثانية ، فله إذا أسلمت أن يختار أيتهما شاء ، فإذا اختار إحداهما ثبت نكاحهما ، وانفسخ به نكاح الأخرى .

والحال الثانية : أن يعجل اختيار الأولى ، فإذا اختارها ثبت نكاحها ، وبطل به نكاح الثانية ، وإن كانت باقية في الشرك : لأنه لما بطل نكاحها باختيار تلك ، فإن كانت هذه قد أسلمت فأولى أن يبطل به نكاحها وإن لم تسلم ، فإذا أسلمت ثبت على ما مضى من عدتها من وقت الاختيار في الشرك .

والحال الثالثة : أن يطلق الأولى قبل إسلام الثانية ، فيقع الطلاق عليها ، ويكون ذلك اختيارا لنكاحها : لأن الطلاق لا يقع إلا على زوجة فيصير الطلاق موجبا للاختيار وموقعا للفرقة ، ويبطل به نكاح المتأخرة : لأنه قد صار مختارا لغيرها .

والحال الرابعة : أن يفسخ نكاح الأولى قبل إسلام الثانية ، فلا تأثير لفسخه في الحال : لأنه يفسخ نكاح من لا يجوز له إمساكها ، وقد يجوز أن لا تسلم الثانية ، فيلزمه إمساك الأولى ، فلذلك لم يؤثر فسخه في إنكاحها ، فإن لم تسلم الثانية ثبت نكاح الأولى وبأن فسخ نكاحها كان مردودا ، وإن أسلمت الثانية ، فإن اختارها وفسخ نكاح الأولى جاز وثبت نكاح الثانية وانفسخ نكاح الأولى ، وإن اختار الأولى وفسخ نكاح الثانية ، ففيه وجهان :

أحدهما : يجوز : لأن فسخ نكاحها في الأول لما لم يؤثر في الحال ، فبطل أن يقع حكمه .

[ ص: 271 ] والوجه الثاني : قد لزمه فسخها ، ولا يجوز له اختيارها : لأنه لم يؤثر في الحال : لعدم غيرها فلما وجد غيرها صار مؤثرا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية