الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما المسألة الثانية : وهو أن يرتد الزوجان معا ، فهو كارتداد أحدهما إن كان قبل الدخول بطل ، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة .

وقال أبو حنيفة : إذا ارتدا معا كان على النكاح قبل الدخول وبعده : استدلالا بأن أهل الردة حين أسلموا أقرهم أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - على مناكحهم ، ولم يعتبر فيهم انقضاء العدة ولا حال الدخول : لاجتماع الزوجين منهم على الإسلام والردة .

قال : ولأنه انتقال إلى دين واحد فوجب أن لا يوقع الفرقة بينهما : قياسا على إسلام المشركين .

قال : ولأن أكثر ما في ارتدادهما أن لا يقرا على دينهما ، وهذا لا يمنع من صحة نكاحهما كالوثنيين .

ودليلنا : هو أنها ردة طارئة على نكاح ، فوجب أن يتعلق بها وقوع الفرقة : قياسا على ردة أحدهما ، ولأن كل حكم تعلق بردة أحدهما لم يزل بردتها قياسا على استباحة المال والدم وإحباط العمل ، ولأن كل معنى وقعت به الفرقة إذا وجد من أحدهما وقعت به الفرقة إذا وجد منهما كالموت .

فأما الجواب عن إقرار أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - لأهل الردة على مناكحهم ، فلأنهم أسلموا قبل انقضاء العدة .

فإن قيل : فلم يفرق بين المدخول بها وغير المدخول بها .

قيل : قد يجوز أن يكون جميعهن مدخولا بهن ، أو لم يتميزن فأجرى عليهن حكم الأغلب ، كما أنه لم يفرق بين من اجتمعا في الردة أو لم يجتمعا ، وإن كان أبو حنيفة يفرق بينهما ، فيكون جوابه عن هذا السؤال جوابا عن سؤاله .

وأما الجواب عن قياسهم على المشركين إذا أسلما بعلة انتقالهما إلى دين واحد ، فهو انتقاضه بالمسلم إذا تزوج يهودية ثم تنصر قد اجتمعا على دين واحد ، والفرقة واقعة بينهما ، على أن أبا حنيفة قد وافقنا أنه إذا اجتمعا على الردة من الإصابة ، كما لو ارتد أحدهما حتى يجتمعا على الإسلام .

وأما الجواب عن استدلالهم باجتماع الوثنيين ، فالفرق بينهما أن الوثنيين لا يمنعان من [ ص: 297 ] الإصابة فجاز إقرارهما على النكاح ، والمرتدان يمنعان من الإصابة فلم يجز إقرارهما على النكاح .

التالي السابق


الخدمات العلمية