الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت أن الرفع من الركوع ، والاعتدال قائما ذكر واجب ، فالسنة إذا ابتدأ بالرفع أن يقول : سمع الله لمن حمده ، إماما كان أو مأموما ، ويرفع يديه حذو منكبيه فيكون في رفعه سنتان

: إحداهما : قوله سمع الله لمن حمده

والثاني : رفع يديه حذو منكبيه فإذا استوى قائما قال : " ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض ، وما شئت من شيء بعد " إماما كان ، أو مأموما ، وقال أبو حنيفة : يختص الإمام بقول : سمع الله لمن حمده والمأموم بقول " ربنا ولك الحمد " استدلالا برواية سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد فإنه من وافق قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " قال : ولأن قوله سمع الله لمن حمده موضوع لرفع ، وقوله : ربنا لك الحمد ، موضوع لرفع أيضا ، والانتقال من الأركان إلى الأركان إنما سن بذكر واحد لا بذكرين كالتكبيرات ، فعلم أن أحدهما مسنون للإمام ، والآخر مسنون للمأموم قال : ولأن قوله : سمع الله لمن حمده إخبار عن إجابة الدعاء وقوله : ربنا لك الحمد شكر لله ، عز وجل ، على قبول الدعاء فلم يجز أن يجمع بينهما الواحد : لأن أحدهما جواب الآخر

ودليلنا رواية الشافعي عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال : سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد

وروي عن الأعمش عن عبيد بن الحسن عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان [ ص: 124 ] النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع يقول : سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض ، وما شئت من شيء بعد "

وروى عطية عن قزعة بن يحيى عن أبي سعيد الخدري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول حين يقول : سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات ، وملء الأرض وما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد حق ما قال العبد كلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ولأن أذكار الصلاة إذا سنت للمأموم سنت للإمام كالتكبير ، والتسبيح

وأما الجواب عن حديث أبي هريرة فهو : أنه ليس نهيا للمأموم عن قول : سمع الله لمن حمده ، وإنما فيه أمر له بقول ربنا لك الحمد ، وإنما أمره بهذا أو لم يأمره بقول سمع الله لمن حمده ، لأنه يسمع هذا من الإمام فيتبعه فيه ، ولا يسمع قوله : ربنا لك الحمد فأمره به ، وأما قولهم أنهما ذكران فلم يجتمعا في الانتقال ، فالجواب أن قوله سمع الله لمن حمده موضوع للانتقال وربنا لك الحمد مسنون في الاعتدال فصارا ذكرين في محلين ، وأما قولهم أن أحدهما إخبار والآخر جواب فلم يجز أن يجمع الواحد بينهما ، فهو فاسد بقوله آمين هو في مقابلة قوله تعالى : اهدنا الصراط المستقيم [ الفاتحة : 6 ] . ثم قد يجمع بينهما في الصلاة

التالي السابق


الخدمات العلمية