الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وإن أصابها في الدبر ، لم يحصنها " .

[ ص: 321 ] قال الماوردي : وهذا صحيح .

لأن الإحصان كمال ، فلم يثبت إلا بوطء كامل وهو القبل ، ولأنه لما لم يتحصن بوطء الإماء ، وإن كان مباحا اعتبارا بأكمله في الحرائر كان بأن لا يتحصن بالوطء المحرم في الدبر أولى ، وجملة أحكام التي تتعلق بالوطء ثلاثة أضرب :

أحدها : ما يختص بالوطء في القبل ، لا يثبت بالوطء في الدبر .

والثاني : إحلالها دون الدبر ، وهي ثلاثة أحكام :

أحدها : الإحصان لا يثبت إلا بالوطء في القبل ، ولا يثبت بالوطء في الدبر .

والثاني : إحلالها للزوج المطلق ثلاثا لا يكون إلا بالوطء في القبل دون الدبر : لقوله صلى الله عليه وسلم : لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها والعسيلة في القبل .

والثالث : سقوط حكم العنة ، لا يكون إلا بالوطء في القبل دون الدبر : لأنه من حقوق الموطوءة فاختص بالفرج المباح .

والضرب الثاني : يستوي فيه الوطء في القبل والوطء في الدبر ، وهي سبعة أحكام :

أحدها : وجوب الغسل بالإيلاج عليهما .

والثاني : وجوب الحد بالزنا في القبل والدبر جميعا .

والثالث : كمال المهر ووجوبه بالشبهة كوجوبه بالوطء في القبل .

والرابع : وجوب العدة منه كوجوبها بالوطء في القبل .

والخامس : تحريم المصاهرة ويثبت به كثبوته بالوطء في القبل .

والسادس : فساد العبادات من الحج والصيام والاعتكاف يتعلق به كتعلقها بالوطء في القبل .

والسابع : وجوب الكفارة بإفساد الحج والصيام يتعلق به كتعلقها بالوطء في القبل .

والضرب الثالث : ما اختلف أصحابنا فيه ، وهي ثلاثة أحكام :

أحدها : الفيئة في الإيلاء ، فيها وجهان :

أحدهما : أن لا تكون إلا بالوطء في القبل دون الدبر : لأنها من حقوق الزوجية فتعلقت بالوطء المستباح بالعقد ، وهو القبل .

والوجه الثاني : أنها تكون بالوطء في الدبر : لأنه قد صار به حانثا ، ولزمته الكفارة ، فصار به فائيا .

والثاني : العدة من الوطء في الدبر ، فإن كان في عقد نكاح وجبت به العدة كوجوبها بالوطء في القبل : لأن العدة في النكاح قد تجب بغير وطء ، فكان أولى أن تجب بالوطء في الدبر ، وإن كان بسببه ففي وجوب العدة فيه وجهان : [ ص: 322 ] أحدهما : تجب كوجوبها في النكاح .

والقول الثاني - وهو قول أبي علي بن خيران - : لا تجب : لأنها في الشبهة تكون استبراء محضا حفظا للنسب ، واستبراء للرحم ، وهذا المعنى مختص بالقبل دون الدبر .

والثالث : لحوق النسب من الوطء في الدبر ، وإن كان في عقد نكاح لحق ، وإن كان في شبهة ففي لحوق النسب به وجهان ، وإن قيل بوجوب العدة منه كان النسب لاحقا ، وإن قيل لا تجب العدة منه لم يلحق به النسب ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية