الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : ونكاح المحلل باطل

قال الماوردي : وصورتها في امرأة طلقها زوجها ثلاثا ، حرمت بهن عليه إلا بعد زوج ، فنكحت بعده زوجا : ليحلها للأول فيرجع إلى نكاحها ، فهذا على ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يشترطا في عقد النكاح أن يتزوجها على أنه إذا أحلها بإصابة للزوج الأول ، فلا نكاح بينهما ، فهذا نكاح باطل .

وقال أبو حنيفة : النكاح صحيح ، والشرط باطل .

[ ص: 333 ] والدليل على بطلانه ما رواه الحارث الأعور عن علي ، ورواه عكرمة عن ابن عباس ، ورواه أبو هريرة كلهم بروايته عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لعن الله المحلل والمحلل له .

وروى عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : هو المحلل والمحلل له ، ولأنه نكاح على شرط إلى مدة ، فكان أغلظ فساد من نكاح المتعة من وجهين :

أحدهما : جهالة مدته .

والثاني : أن الإصابة فيه مشروطة لغيره ، فكان بالفساد أخص ، ولأنه نكاح شرط فيه انقطاعه قبل غايته ، فوجب أن يكون باطلا .

أصله : إذا تزوجها شهرا ، أو حتى يطأ أو يباشر .

والقسم الثاني : أن يتزوجها ويشترط في العقد أنه إذا أحلها للزوج الأول طلقها ، ففي النكاح قولان :

أحدهما - وهو قوله في القديم " والإملاء " - : أن النكاح صحيح ، ولأنه لو تزوجها على أن لا يطلقها كان النكاح جائزا ، وله أن يطلقها ، كذلك إذا تزوجها على أن يطلقها وجب أن يصح النكاح ، ولا يلزمه أن يطلقها .

والقول الثاني - نص عليه في الجديد من " الأم " وهو الأصح - : أن النكاح باطل : لأنه باشتراط الطلاق مؤقت ، والنكاح ما تأبد ، ولم يتوقف ، وبهذا المعنى فرقنا بين أن يشترط فيه أن لا يطلقها فيصح : لأنه مؤبد ، وإذا شرط أن يطلقها لم يصح : لأنه مؤقت .

والقسم الثالث : أنه يشترط ذلك عليه قبل العقد ، ويتزوجها مطلقا من غير شرط ، لكنه ينوي ويعتقده ، فالنكاح صحيح : لخلو عقده من شرط يفسده ، وهو مكروه : لأنه نوى فيه ما لو أظهره أفسده ، ولا يفسد بالنية : لأنه قد ينوي ما لا يفعل ويفعل ما لا ينوي ، وأبطله مالك ، وقال : هو نكاح محلل ، وحكى أبو إسحاق المروزي عن أبي حنيفة أنه استحبه : لأنه قد تصير للأول بإحلالها له .

وكلا المذهبين خطأ ، بل هو صحيح بخلاف قول مالك ، ومكروه بخلاف استحباب أبي حنيفة ، لما رواه الشافعي عن سعيد بن سالم ، عن ابن جريج عن ابن سيرين : أن امرأة طلقها زوجها ثلاثا ، وكان يقعد على باب المسجد أعرابي مسكين فجاءته امرأة ، فقالت له : هل لك في امرأة تنكحها فتبيت معها الليلة ، فإذا أصبحت فارقتها قال : نعم ، ومضى فتزوجها ، وبات معها ليلة ، فقالت له : سيقولون لك [ ص: 334 ] إذا أصبحت فارقها ، لا تفعل ، فإني مقيمة لك ما ترى ، واذهب إلى عمر ، فلما أصبح أتوه وأتوها ، فقالت لهم : كلموه ، فأنتم آتيتم به ، فقالوا له : فارقها ، فقال : لا أفعل ، أمضى إلى عمر فأخبره ، فقال له : الزم زوجتك ، فإن رابوك بريبة فائتني ، وبعث عمر إلى المرأة التي مشت لذلك فنكل بها ، وكان الأعرابي يغدو ويروح إلى عمر في حلة ، فيقول له عمر : الحمد الله الذي كساك يا ذا الرقعتين حلة تغدو فيها وتروح . فقد أمضى عمر النكاح : فبطل به قول مالك في فساده ، ونكل عمر بالمرأة التي مشت فيه فدل على كراهته ، وفساد ما حكي عن أبي حنيفة من استحبابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية