الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 335 ] باب نكاح المحرم

قال الشافعي ، رحمه الله تعالى : أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا ينكح المحرم ولا ينكح ، وقال بعض الناس روينا أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة رضي الله عنها ، وهو محرم ، قلت رواية عثمان ثابتة ، ويزيد بن الأصم ابن أختها ، وسليمان بن يسار عتيقها أو ابن عتيقها ، يقولان : نكحها وهو حلال ، وثالث وهو سعيد بن المسيب ، وينفرد عليك حديث عثمان الثابت ، وقلت : أليس أعطيتني أنه إذا اختلفت الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم نظرت فيما فعل أصحابه من بعده فأخذت به ، وتركت الذي يخالفه ؟ قال : بلى ، قلت : فعمر بن الخطاب ويزيد بن ثابت يردان نكاح المحرم ، وقال ابن عمر : لا ينكح المحرم ولا ينكح ، ولا أعلم لهما مخالفا ، فلم لا قلت به ؟ ( قال الشافعي ) فإن كان المحرم حاجا ، فحتى يرمي ويحلق ويطوف بالبيت يوم النحر أو بعده ، وإن كان معتمرا فحتى يطوف بالبيت ويسعى ويحلق ، فإن نكح قبل ذلك فمفسوخ والرجعة والشهادة على النكاح ليسا بنكاح " .

قال الماوردي : قد مضى في كتاب الحج أن نكاح المحرم لا يجوز ، ودللنا عليه وذكرنا من خالفنا فيه ، ونحن الآن نشير إليه ، متى عقد النكاح والزوج أو الزوجة أو الولي محرم ، فالنكاح باطل .

وقال مالك : صحيح ، ويفسخ بطلقة .

وقال أبو حنيفة : نكاحه جائز ، ولا يلزم فسخه : استدلالا برواية عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم . وبرواية ابن أبي مليكة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج وهو محرم ، ولأنه عقد يستباح به البضع ، فلم يمنع الإحرام منه كالرجعة وشراء الإماء .

ودليلنا : رواية عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا ينكح المحرم ولا ينكح . وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : لا يخطب المحرم ولا يتزوج . وروى مطر عن الحسن أن عليا - رضي الله تعالى عنه - قال : من تزوج وهو محرم نزعنا منه امرأته ، ولم يجز نكاحه .

[ ص: 336 ] وروى أبو غطفان عن أبيه أن عمر - رضي الله تعالى عنه - فرق بين محرمين تزوجا .

وروى قدامة بن موسى ، عن شوذب مولى زيد بن ثابت أنه تزوج وهو محرم ، ففرق زيد بن ثابت بينهما ، فلما روي عنهم التفرقة بين الزوجين ، ولا يسوغ ذلك في عقد يسوغ فيه الاجتهاد ، دل على أن النص فيه ثابت لا يجوز خلافه ، ولأنه معنى ثابت به تحريم المصاهرة فوجب أن يمنع منه الإحرام كالوطء .

فأما الجواب عن حديث ميمونة ، فقد روى ميمون بن مهران ، عن يزيد بن الأصم ، عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهما حلالان .

وروى ربيعة عن سليمان بن يسار ، عن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالا ، وبنى بها حلالا ، وكنت أنا الرسول بينهما .

وأما حديث ابن أبي مليكة عن عائشة ، فضعيف لا أصل له عند أصحاب الحديث ، وإن صح فيجوز أن يكون فعل ذلك في أول الإسلام قبل تحريم نكاح المحرم ، على أن أبا الطيب ابن سلمة جعل النبي صلى الله عليه وسلم مخصوصا بالنكاح في الإحرام .

وأما القياس على شراء الإماء ، فليس المقصود منه الاستمتاع ، لجواز شراء المعتدة وذات المحرم ، وكذلك المحرمة ، والمقصود من عقد النكاح الاستمتاع ، إذ لا يجوز أن ينكح معتدة ولا ذات محرم وكذلك المحرمة . فأما الرجعة فتحل للمحرم : لأنها سد ثلم في العقد ورفع تحريم طرأ عليه ، وليست عقدا مبتدأ ، فجازت في الإحرام ، ألا ترى أن العبد يراجع بغير إذن سيده ، وإن لم يجز أن ينكح بغير إذنه ، اعتبارا بهذا المعنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية