الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 351 ] باب الأمة تغر من نفسها ، من الجامع من كتاب النكاح الجديد ، ومن التعريض بالخطبة ، ومن نكاح القديم ، ومن النكاح والطلاق ، إملاء على مسائل مالك

قال الشافعي رحمه الله تعالى : " وإذا وكل بترويج أمته ، فذكرت والوكيل أو أحدهما أنها حرة ، فتزوجها ، ثم علم فله الخيار ، فإن اختار فراقها قبل الدخول فلا نصف مهر ولا متعة ، وإن أصابها فلها مهر مثلها ، كان أكثر مما سمى أو أقل : لأن فراقها فسخ ولا يرجع به ، فإن كانت ولدت فهم أحرار وعليه قيمتهم يوم سقطوا وذلك أول ما كان حكمهم حكم أنفسهم لسيد الأمة " .

قال الماوردي : وهذه المسألة قد مضت وهو أن يتزوج امرأة على أنها حرة فتكون أمة : فإن كان الزوج ممن لا ينكح الأمة فالنكاح باطل . وإن كان ممن ينكح الأمة إلا أنها منكوحة بغير إذن السيد فالنكاح باطل . وإن كانت منكوحة بإذن السيد ، فإن كان هو الذي شرط حريتها فقد عتقت والنكاح جائز ، وإن كان غيره هو الذي شرط حريتها إما هي أو وكيله أو هم فهي حينئذ مسألة الكتاب ، وفي النكاح قولان ، حرا كان الزوج أو عبدا :

أحدهما : باطل ، فإن لم يدخل بها فرق بينهما ، ولا شيء عليه ، وإن دخل بها فعليه مهر مثلها ، فإن أولدها كان ولده حرا : لأنه على شرط الحرية ، أو ولده سواء كان الزوج حرا أو عبدا ، فإن كان الزوج حرا غرم مهر المثل وقيمة الولد وقت الولادة ورجع بقيمة الولد على من غره : لأنه ألجأه إلى غرمه ، وهل يرجع بمهر مثلها عليه أم لا ؟ على قولين . وإن كان الزوج عبدا ، ففي ما قد لزمه من مهر المثل وقيمة الولد على ثلاثة أقاويل :

أحدها : في كسبه .

والثاني : في ذمته ، إذا أيسر بعد عتقه .

والثالث : في رقبته يباع فيه إلا أن يفديه سيده .

وهذه الأقاويل الثلاثة من أصلين ، في كل أصل منهما قولان :

أحدهما : أن العبد إذا نكح بغير إذن سيده ، هل يكون المهر إن وطئها في ذمته أو في رقبته ؟ على قولين .

والثاني : أن العبد إذا أذن له سيده في النكاح ، فنكح نكاحا فاسدا ، هل يدخل في [ ص: 352 ] جملة إذنه ، ويكون المهر والنفقة في كسبه أم لا ؟ على قولين ، ثم لا رجوع للعبد قبل غرم المهر وقيمة الولد على الغار له ، فإذا غرمها رجع عليه بقيمة الولد ، وفي رجوعه بمهر المثل قولان ، فهذا إذا قيل : إن النكاح باطل .

والقول الثاني : في الأصل أن النكاح جائز ، فعلى هذا إن كان الزوج حرا ، فهل له الخيار في الفسخ أم لا ؟ على قولين . وإن كان عبدا ، فقد اختلف أصحابنا ، فكان أبو علي بن أبي هريرة ، يقول : خياره على قولين كالحر لمكان شروطه ، وكان أبو إسحاق المروزي يقول : لا خيار له بخلاف الحر : لمساواته لها في الرق ، فإذا قيل : لهما الخيار ، فاختارا الفسخ ، فالحكم في المهر ، وقيمة الولد على ما مضى .

وإذا قيل بأن النكاح باطل ، وإن اختار المقام أو قيل إن ليس له خيار ، فالحكم في الحالين واحد ، وهو أن يختلف عليه المهر المسمى بالعقد ، وأولاده منها قبل علمه أحرارا ، وبعد علمه مماليك ، فمن وضعته منهم لأقل من ستة أشهر بعد علمه فهم أحرار : لأنهم علقوا قبل علمه ، ومن وضعته بعد علمه بستة أشهر فصاعدا فهم مماليك ، ولا يرجع بالمهر قولا واحدا : لأنه المسمى بعقد صحيح ، ويرجع بقيمة من عتق عليه من الأولاد : لأنه التزمها بالغرور دون العقد ، فإن كان الزوج عبدا كان المهر في كسبه قولا واحدا : لأنه نكاح قد صح بإذن سيده ، ولا يكون قيمة الولد في كسبه : لأن إذن سيده بالنكاح لا يقتضيها . وأين تكون ؟ على قولين :

أحدهما : في رقبته .

والثاني : في ذمته إذا أعتق ، ويكون ما استحق من المهر في صحة النكاح وفساده ملكا للسيد : لأنه من كسب أمته ، ويكون من رق من الأولاد ملكا للسيد ، وقيمة من عتق منهم للسيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية