الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما زمان الحصانة فهو الوقت الذي يكون فيه الوطء مثبتا للحصانة ، ولا يخلو حالهما وقت الوطء من أربعة أقسام :

أحدها : أن يكونا كاملين .

والثاني : أن يكونا ناقصين .

والثالث : أن يكون الزوج كاملا والزوجة ناقصة .

والرابع : أن يكون الزوج ناقصا والزوجة كاملة .

فأما القسم الأول : وهو أن يكونا كاملين ، فكمالهما يكون بالبلوغ والعقل والحرية ، فإذا كانا وقت الوطء بالغين عاقلين حرين ، صارا جميعا به محصنين ، سواء عقد النكاح بينهما في حال الكمال أو قبله ، وسواء بقي العقد بينهما أو ارتفع ، قد ثبتت الحصانة بوطء المرأة الواحدة ، فأيهما زنا رجم .

وأما القسم الثاني : وهو أن يكونا ناقصين ، ونقصانهما أن يكونا صغيرين أو مجنونين أو مملوكين ، فلا يكونا بالوطء محصنين ما كانا على الصغر والجنون والرق ، فإن بلغ الصغيران ، وأفاق المجنونان ، وعتق المملوكان ، فهل يصير بالوطء المتقدم أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : أنهما قد صارا محصنين : لأنه قد ثبت به أحكام الوطء في النكاح من كمال المهر ، ووجوب العدة ، وتحريم المصاهرة ، والإحلال للمطلق ، فكذلك الحصانة ، فإذا زنيا رجما لتقدم الشرائط على الزنا .

والوجه الثاني - وهو مذهب الشافعي - : أنهما لا يصيرا به محصنين حتى يستأنفا الوطء بعد كمال البلوغ والعقل والحرية : لأن هذا الوطء يوجب الكمال ، فوجب أن يراعي وجوده في أكمل الأحوال : ولأنه لما لم يثبت الحصانة في وقت لم يثبتها بعد وقته ، ولهذا خالف ما سواها من الإحلال ، وتحريم المصاهرة ، وكمال المهر ، ووجوب العدة : لثبوتها به في وقته وبعد وقته ، ثم هكذا لو كان نقص الزوجين مختلفين ، فكان أحدهما صغيرا والآخر مجنونا ، أو كان أحدهما مملوكا والآخر صغيرا أو مجنونا ، فوطئا لم يصيرا به في الحال محصنين ، وهل يصيران به بعد الكمال محصنين أم لا ؟ على وجهين .

وأما القسم الثالث : وهو أن يكون الزوج كاملا والزوجة ناقصة ، فكمال الزوج أن يكون بالغا عاقلا حرا ، ونقصان الزوجة أن تكون صغيرة أو مجنونة أو مملوكة ، أو تجمع نقص الصغر والجنون والرق ، فقد صار الزوج بذلك محصنا إذا كانت [ ص: 389 ] الصغيرة التي وطئها ممن يجوز أن توطأ مثلها ، فإن كانت ممن لا يجوز أن توطأ مثلها لم يتحصن بوطئها ، فأما الزوجة فلا تكون محصنة بهذا الوطء في النقصان بالصغر والجنون والرق ، فإذا كملت بالبلوغ والعقل والحرية ، فهل تصير به محصنة أم لا ؟ على ما ذكرنا من الوجهين .

وقال أبو حنيفة : إذا كان أحدهما ناقصا لم يحصنا معا في الحال ، ولا في أي حال حتى يكون الكمال موجودا فيهما حال الوطء .

وهذا خطأ : لأن موجب الحصانة أن يختلف بها حد الزنا ، فيجب الرجم على المحصن ، والجلد على غير المحصن ، وإن اختلف حالهما وقت الزنا : فكان أحدهما محصنا والآخر غير محصن ، رجم المحصن وجلد غير المحصن ، ولم يكن لاختلافهما تأثير في حصانة أحدهما دون الآخر ، كذلك اختلافهما في وقت الوطء في النكاح لا يمنع من أن يصير به أحدهما محصنا دون الآخر .

وأما القسم الرابع : وهو أن يكون ناقصا والزوجة كاملة ، ونقصان الزوج أن يكون صغيرا أو مجنونا أو مملوكا أو يجمع نقص الصغر والجنون والرق ، فيطأ زوجة كاملة بالبلوغ والعقل والحرية ، فقد صارت بوطئه محصنة إذا كان الصغر ممن يوطأ مثله ، فإن كان مثله لا يوطأ لم تتحصن بوطئه ، فأما الزوج فلا يكون به محصنا في حال نقصه ، وهل يصير به محصنا بعد كماله أم لا ؟ على ما ذكرنا من الوجهين . وعلى قول أبي حنيفة : لا يتحصن به واحد منهما ، والله أعلم بالصواب .

فأما الخنثى إذا جعلناه رجلا يتحصن بوطء امرأة ، ولا يتحصن لو وطئه رجل ، ولو جعلناه امرأة تحصن بوطء رجل ، ولا يتحصن لو وطأ امرأة ، ولو كان على حال إشكاله لم يتحصن بوطء رجل ولا بوطء امرأة ولا بوطء رجل وامرأة : لأن نكاحه في حال إشكاله باطل والحصانة لا تثبت بالوطء في نكاح باطل ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية