الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : [ القول في صفة التعليم ]

فأما صفة التعليم ، فعليه أن يعلمها السورة آية بعد آية ، حتى إذا حفظت الآية عدل بها إلى ما بعدها حتى تختم السورة .

وليس عليه إذا حفظت السورة أن يدرسها إياها ؛ لأن التدريس من شروط الحفظ لا من شروط التعليم . فلو شرطت عليه حفظ القرآن لم يجز ؛ لأن حفظه إلى الله تعالى لا إليه .

وإذا كان كذلك ، فلها أربعة أحوال :

أحدها : أن يعلمها ، فتحفظ ما علمها بأيسر تعليم وأسهله ، فهو المقصود وقد وفى ما عليه .

والثاني : أن يعلمها ، فتتعلم في الحال ، ثم تنسى ما تعلمته ، فهذا على ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تتعلم جميع السورة ثم تنساها ، فقد استقر التسليم ووفى ما عليه من التعليم ، فلا يلزمه أن يعلمها ثانية .

والقسم الثاني : أن يلقنها منه يسيرا لا يختص بالإعجاز كبعض آية ، فالتسليم لم يستقر ، وعليه أن يعلمها .

والقسم الثالث : أن يعلمها قدر ما يتعلق به الإعجاز ، ففيه وجهان :

أحدهما : أنه تسليم مستقر ؛ لجواز أن يكون هذا القدر بانفراده مهرا ، فعلى هذا لا يلزمه تعليمها ثانية .

والوجه الثاني : أنه تسليم غير مستقر ؛ لأنه بعض جملة غير متميزة ، فعلى هذا يلزمه تعليمها ثانية .

والحال الثالث : أن يعلمها فتكون بليدة ، قليلة الذهن ، لا تتعلم إلا بمشقة وعناء ، فهذا عيب يكون الزوج فيه مخيرا بين المقام عليه وبين أن يفسخ فيعدل إلى بدله ، وفي بدله قولان :

أحدهما - وهو القديم - : أجرة مثل التعليم .

والقول الثاني - وهو الجديد - : عليه مهر المثل . وسنذكر توجيه القولين من بعد .

والحالة الرابعة : أن تكون ممن لا تقدر على تعليم القرآن بحال ففي الصداق وجهان :

[ ص: 408 ] أحدهما : باطل ؛ لتعذره وإعوازه ، وفيما تستحقه قولان على ما مضى .

والوجه الثاني : جائز ، وتأتي بغيرها حتى يعلمه ؛ لأن من له حق إذا عجز عن استيفائه بنفسه استوفاه بغيره ، ولا خيار لها ؛ لأن العيب من جهتها .

وهل للزوج الخيار أم لا على وجهين :

أحدهما : لا خيار له ؛ لأنه تعليم قد استحقته لنفسها فجاز أن تستوفيه بغيرها ، كسائر الحقوق .

والوجه الثاني : له الخيار في المقام أو الفسخ ؛ لأنه يستلذ من تعليمها ما لا يجوز أن يستلذ من تعليم غيرها ، فإن فسخ ففيما يلزمه قولان :

أحدهما : أجرة مثل التعليم .

والثاني : مهر المثل .

فلو أرادت - وهي قادرة على تعليم القرآن - أن تأتيه بغيرها ليعلمها بدلا منها ، فإن راضاها الزوج على ذلك جاز ، وإن امتنع ففي إجباره على ذلك وجهان ، وتعليلهما ما ذكرنا .

ولو لم يعلمها القرآن حتى تعلمته من غيره ، فقد فات أن تستوفيه بنفسها ، فيكون على ما ذكرنا من الوجهين :

أحدهما : تأتيه بغيرها حتى يعلمها القرآن .

والوجه الثاني : قد بطل الصداق ، وفيما تستحقه عليه قولان :

أحدهما : أجرة مثل التعليم .

والثاني : مهر المثل .

التالي السابق


الخدمات العلمية