الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : القسم الثاني : [ أن يطلقها قبل تعليمها ]

والقسم الثاني : أن يطلقها قبل أن يعلمها شيئا من القرآن فينظر :

فإن كان التعليم مشروطا في ذمته ، استأجر لها من النساء ومن ذوي محارمها من الرجال من يعلمها على ما تستحقه من القرآن ، على ما سنذكره .

وإن كان التعليم مستحقا عليه في عينه ، فقد اختلف أصحابنا هل يجوز له تعليمها بعد الطلاق أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : يجوز من وراء حجاب ، كما يجوز سماع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء الأجانب ، وقد كانت نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثن من وراء حجاب .

والوجه الثاني - وهو الأصح - : لا يجوز ؛ لأمرين :

أحدهما : ما في مطاولة كلامها من الافتتان بها .

والثاني : أنهما ربما خلوا ، وهي محرمة عليه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يخلون أحدكم بامرأة فإن الشيطان ثالثهما .

فإذا قلنا : إن تعليمها لا يجوز ، نظر حال الطلاق ؛ فإن كان بعد الدخول ، رجعت عليه - في قوله القديم - بأجرة المثل ، وفي قوله الجديد بمهر المثل . وإن كان قبل الدخول : رجعت عليه - في قوله القديم - بنصف أجرة المثل ، وفي قوله الجديد بنصف مهر المثل .

وإن قلنا : إنها تعلم القرآن ، لم يخل الطلاق من أن يكون قبل الدخول أو بعده ، فإن كان بعد الدخول فقد استقر لها جميع الصداق ، فعلى هذا يعلمها جميع القرآن .

فلو اختلف ؛ فقال الزوج : قد علمتك القرآن ، وقالت : لم تعلمني ، فلا يخلو حالها من أن تكون حافظة للقرآن في الحال ، أو غير حافظة .

فإن كانت غير حافظة فالقول قولها مع يمينها ، وعليه تعليمها .

وإن كانت حافظة ، وقالت : حفظت من غيرك ، ففيه وجهان :

أحدهما : أن القول قولها أيضا مع يمينها .

والوجه الثاني : أن القول قوله مع يمينه ؛ لأن حفظها شاهد على صدقه .

وإن طلقها قبل الدخول ، فلها نصف الصداق ، فعلى هذا اختلف أصحابنا في القرآن هل يتجزأ أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : أن يتجزأ في كلماته وحروفه التي جزأها السلف عليها ، فعلى هذا يلزمه أن يعلمها نصف القرآن .

والوجه الثاني : أنه ، وإن تجزأ في كلماته وحروفه ، فليس يتماثل لما فيه من المتشابه ، وأن بعضه أصعب من بعض ، وسوره أصعب من سوره ، وعشر أصعب من عشر ، وقد روي [ ص: 414 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : شيبتني هود وأخواتها ، فعلى هذا لا يلزمه إذا استحقت النصف أن يعلمها شيئا منه ؛ لتعذر تماثله ، وترجع عليه بنصف أجرة التعليم على قوله في القديم ، وبمثل نصف مهر المثل على قوله في الجديد .

التالي السابق


الخدمات العلمية