الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو ولدت الأمة في يديه أو نتجت الماشية ، فنقصت عن حالها كان الولد لها دونه ؛ لأنه حدث في ملكها ، فإن شاءت أخذت أنصافها ناقصة ، وإن شاءت أخذت أنصاف قيمتها يوم أصدقها ( قال المزني ) هذا قياس قوله في أول باب ما جاء في الصداق في كتاب الأم . وهو قوله وهذا خطأ على أصله " .

قال الماوردي : وصورتها في رجل أصدق امرأته جارية أو ماشية ، فزادت في يده بحمل أو ولد ، ثم طلق قبل الدخول ، فقد دخل حكمه في أقسام ما قدمناه ، ونحن نشير إليه ونذكر ما تعلق به من زيادة ، ونقتصر على ذكر الجارية فإن فيها بيان الماشية .

وأحوال الجارية ينقسم ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تكون وقت الصداق حابلا ، فتحمل في يده بمملوك وتلد ثم تطلق .

[ ص: 445 ] والقسم الثاني : أن تكون حاملا ، فتحبل ثم تطلق قبل أن تضع .

والقسم الثالث : أن تكون حاملا ثم تلد ثم تطلق .

فأما القسم الأول : وهو أن تكون حاملا فتحبل وتلد ثم تطلق ، فلا يخلو حالها وحال ولدها من أربعة أقسام :

أحدها : أن يكونا باقيين .

والثاني : تالفين .

والثالث : أن تكون الأم باقية ، والولد تالفا .

والرابع : أن تكون الأم تالفة ، والولد باقيا .

فأما القسم الأول : إذا كانا باقيين ، فالولد للزوجة ؛ لحدوثه في ملكها ، وتكون ولادته قبل القبض ، كولادته بعد القبض ، في ألا حق فيه للزوج وكذلك الكسب .

وقال مالك : يكون للزوج نصف الولد ونصف الكسب قبل القبض وبعده .

وقال أبو حنيفة : لا حق للزوج فيما حدث بعد القبض من ولد وكسب ، وله فيما حدث في يده قبل القبض نصف الولد دون الكسب .

استدلالا بأنه قبل القبض مستحق التسليم بالعقد كالأم ، فوجب أن يرجع بنصفه كرجوعه بنصف الأم .

ودليلنا قول الله تعالى : فنصف ما فرضتم فلم يوجب الرجوع إلا بنصف المفروض ، وليس الولد مفروضا .

ولأنه نماء حدث في ملكها ، فلم يستحق الزوج بطلاقه شيئا منه كالحادث بعد القبض ، ولأن ما لم يملكه بالطلاق إذا حدث بعد القبض لم يملكه بالطلاق إذا حدث قبل القبض كالكسب .

وبالكسب ينتقص قياسهم مع أننا لا نقول إنه تسليم يستحق بالعقد ولكن بالملك .

فإذا ثبت ألا حق له في الولد ، فللأم ثلاثة أحوال :

أحدها : أن تكون بحالها لم تزد ولم تنقص ، فيكون للزوج نصفها بالطلاق قبل الدخول ، ولها النصف ، ولا خيار لواحد منهما .

والحال الثانية : أن تكون قد زادت ، فلها منع الزوج منها لحدوث الزيادة على ملكها ، وتعدل به إلى نصف القيمة ، فإن بذلت له نصفها زائدة أجبر على القبول في أصح الوجهين .

والحال الثالثة : أن تكون ناقصة فلها الخيار بين المقام والفسخ . فإن أقامت أخذت النصف ناقصا وأخذ الزوج نصفها ناقصا ، ولم يكن له خيار لحدوث النقصان في يده ودخوله في ضمانه .

[ ص: 446 ] وإن فسخت فالولد لها ؛ لأن الفسخ في الأصل مع بقائه قطع للعقد فيه ، وليس برفع له من أصله .

وبماذا ترجع عليه ؟ على قولين :

أحدهما : بالجارية وأرش النقص ، فيكون الفسخ مفيدا استحقاق الأرش ، وهذا على القول الذي يوجب قيمة الصداق عند تلفه .

والقول الثاني : أنها ترجع بمهر المثل ، وهذا على القول الذي يوجب مهر المثل عند تلف الصداق .

وأما القسم الثاني : وهو أن تتلف الأم والولد معا في يد الزوج .

فالأم مضمونة عليه ، وبماذا يضمنها فيه قولان :

أحدهما - وهو قوله في الجديد - : أنه يضمنها بمهر المثل . فعلى هذا يكون جميعه عليه إن طلق بعد الدخول ، ونصفه إن طلق قبله .

والقول الثاني - وهو قوله في القديم - : يضمنها بقيمتها ، وفي اعتبار القيمة قولان :

أحدهما : يوم أصدق تغليبا لضمان العقد .

والقول الثاني : يلزمه قيمتها أكثر ما كانت قيمة من وقت الصداق إلى وقت التلف ، اعتبارا بضمان الغصب .

فأما الولد : فحكمه بعد التلف معتبر بحكمه لو كان حيا ، على ما سنذكره ، فإن لم نجعله لها لو كان حيا لم يلزم الزوج له غرم بتلفه .

وإن جعلناه لها لو كان حيا ، ففي ضمانه على الزوج قولان :

أحدهما : أنه مضمون عليه ؛ لأنه ولد أم مضمونة ، فصار مضمونا كولد المغصوبة .

والقول الثاني : لا يضمنه ؛ لأن العقد لم يتضمنه ، وخالف ولد المغصوبة ؛ لأنه غير متعد فيه .

وأما القسم الثالث : وهو أن تكون الأم باقية والولد تالفا ، فلها جميع الأم إن طلقت بعد الدخول ، ونصفها إن طلقت قبله .

والكلام فيما حدث فيها من زيادة أو نقصان على ما مضى .

وأما الولد : فجميعه لها ، وهل يضمنه الزوج بالتلف أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : يضمنه فيلزمه قيمته أكثر ما كان قيمة من وقت ولادته إلى وقت تلفه .

والقول الثاني : لا ضمان عليه ؛ لأنه كالأمانة في يده إلا أن تطلبه منه فيمنعها فيضمنه كالودائع .

[ ص: 447 ] وأما القسم الرابع : وهو أن تكون الأم تالفة والولد باقيا ، ففيما ترجع عليه في بدل الأم قولان :

أحدهما : قيمتها ، وفي اعتبار قيمتها قولان :

أحدهما : قيمته وقت العقد .

والثاني : أكثر ما كان قيمة من وقت العقد إلى وقت التلف ، فعلى هذا يكون الولد لها .

والقول الثاني : ترجع عليه بمهر مثلها . فعلى هذا في الولد وجهان :

أحدهما : أنه يكون للزوجة أيضا لحدوثه في ملكها .

والوجه الثاني : يكون للزوج ؛ لأنه رفع للعقد من أصله ، فصارت غير مالكة لأمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية