الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما القسم الثالث من أقسام الأصل ، وهو أن تكون حاملا وقت الصداق ، وقد وضعت حملها وقت الطلاق ، فحكمه مبني على اختلاف قولي الشافعي في الحمل هل له حكم يتميز به أو يكون تبعا ؟ فيه قولان :

[ ص: 448 ] أحدهما : أنه يكون تبعا لا يتميز بحكم فعلى هذا إذا طلقها قبل الدخول كان لها جميع الولد وهل يصير مستهلكا في حق الزوج أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : أنه يصير مستهلكا في حقه ، وإن كانت الأم زائدة به وقت حمله ويكون كالسمن إذا زال بالهزال ويصير الولد كالنماء الحادث على ملكها ابتداء وانتهاء .

والوجه الثاني : أنه لا يستهلك على الزوج حقه من الزيادة بحملها ، بخلاف ذهاب السمن بالهزال ؛ لأن السمن هلك في يده فصار مستهلكا عليه ، وليس الولد كذلك ؛ لأن زيادته حملا قد تمت وتكاملت ، فلم يجز أن يستهلك على الزوج ، وقد صارت متكاملة للزوجة .

وإذا كان هكذا وجب أن يعتبر ما بين قيمتها وقت العقد حاملا وحابلا ، فما كان بينهما من فصل رجع الزوج بنصفه على الزوجة مع نصف الأم ، وصار جميع الولد مع نصف الأم للزوجة . فإن بذلت له نصف الولد عما استحقه من نصف ما بين القيمتين فرضي جاز ، وصارت الأم بينهما والولد بينهما . وإن لم يرض به لم يجبر عليه وجها واحدا ؛ لأنه عدول عن حقه إلى معاوضة لا يلزم إلا عن مراضاة .

وإذا كان كذلك ، نظر :

فإن أخذ الزوج نصف الولد مع نصف الأم أقر على ملكه لإجماع ملك الولد مع ملك الأم .

وإن أخذ الزوج نصف الأم ولم يأخذ نصف الولد لم يجز أن يقر على ملك نصف الأم ؛ لأن فيه تفريقا بين الأم وولدها في الملك .

وهل تجبر الزوجة على إعطائه نصف قيمة الأم أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : تجبر على ذلك ؛ لما يلزمها من القيام بحضانة الولد .

والثاني : أنها لا تجبر على ذلك ، ويقال لها : إن دفعت إلى الزوج نصف قيمة الأم أقر الولد والأم على ملكك . وإن امتنعت لم تجبري ، وبيعا جميعا عليك ، ودفع إلى الزوج من الثمن النصف فما قابل ثمن الأم ، وكان الباقي لك ، فهذا إذا قيل : إن الحمل تبع لا يتميز بحكم .

والقول الثاني : في الحمل أن له حكما يتميز ، فعلى هذا تكون الأم والحمل صداقا ، لكن الحمل قد زاد بالولادة على ملك الزوجة ، فلم يلزمها بدل الولد لحدوث الزيادة فيه .

فإن بذلت له نصف الولد مع نصف الأم أجبر على القبول في أصح الوجهين ، وإن امتنعت من بذل نصفه ، رجع بنصف الأم ، وفي كيفية ما يرجع به من قيمة نصف الحمل وجهان :

أحدهما : يرجع بنصف ما بين قيمة أمه حاملا وحابلا ، ولا يقوم وقت الولادة ؛ لأنه قد زاد إلى وقت الولادة زيادة لا يملكها الزوج ، فدعت الضرورة إلى اعتبار ما بين القيمتين .

[ ص: 449 ] والوجه الثاني : أنه يقوم الولد وقت الولادة ، ويرجع الزوج بنصف قيمته ؛ لأنه في وقت كونه حملا لا يوصل إلى معرفة قيمته . فدعت الضرورة إلى اعتبار قيمته بعد الولادة ، وإن حدثت فيه زيادة لا يملكها ، كما يقوم على من تزوج أمة على أنها حرة فأولدها ولدا صار بالعلوق حرا فيقوم بعد الولادة ، وإن كان قد صار بالعلوق حرا ، وعند الولادة زائدا ؛ لتعذر تقويمه حال العلوق ، كذلك هاهنا .

فعلى هذا يمنع من الولد إلى نصف قيمته لأجل زيادته ، فإن بذلت له نصف الولد ، ففي إجباره على قبوله وجهان :

أحدهما : يجبر على قبوله ، ويقر الزوج على ملكه لاجتماعه مع الأم في الملك .

والوجه الثاني : لا يجبر عليه ، ويطالب بتنصيف القيمة ، فإذا أخذ نصف قيمة الولد فله نصف الأم ما لم تزد ولم تنقص ، ولا يجوز التفرقة بين الولد وبين أمه في الملك .

وهل تجبر الزوجة على دفع نصف قيمة الأم ، أو يباعان معا ؟ على ما مضى من الوجهين ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية