مسألة : قال  
الشافعي      : " ولو جعل ثمر النخل في قوارير ، وجعل عليها صقرا من صقر نخلها كان لها أخذه ونزعه من القوارير ، فإذا كان إذا نزع فسد ولم يبق منه شيء ينتفع به ، كان لها الخيار في أن تأخذه ، أو تأخذ منه مثله ومثل صقره إن كان له مثل ، أو قيمته إن لم يكن له مثل ، ولو ربه برب من عنده كان لها الخيار في أن تأخذه وتنزع ما عليه من الرب ، أو تأخذ مثل التمر إذا كان إذا خرج من الرب لا يبقى يابسا بقاء التمر الذي لم يصبه الرب أو تغير طعمه " .  
قال  
الماوردي      : وصورتها في رجل  
أصدق امرأة نخلا ، فأخذ ثمرة النخل فجذها وجعلها في قوارير وطرح عليها صقرا .  
والصقر : وهو ما سال من دبس الرطب ، ما لم تمسه النار .  
والرطب : هو الدبس المطبوخ بالنار .  
فلا يخلو حال الثمرة من أحد أمرين :  
إما أن تكون حادثة من النخل بعد الصداق ، أو متقدمة .  
فإن كانت حادثة بعد الصداق ، فقد ملكتها ؛ لأنها نماء ملكها ، لأن عقد الصداق تضمنها ، فيكون تصرف الزوج فيها تصرفا في غير الصداق من أموالها .  
وإذا كان كذلك ، فالصقر على ضربين :  
أحدهما : أن يكون من جملة الثمرة .  
والثاني : أن يكون للزوج .  
فإن كان الصقر من جملة الثمرة ، فلا يخلو حال الصقر والثمرة من أربعة أحوال :  
إحداهن : ألا ينقص الصقر ولا الثمرة بالاختلاط .  
والحال الثانية : أن ينقصا معا بالاختلاط .  
والحال الثالثة : أن ينقص الصقر دون الثمرة .  
والحال الرابعة : أن تنقص الثمرة دون الصقر .  
فإن لم ينقص الصقر بطرحه على الثمرة ، ولا نقصت الثمرة بطرحها في الصقر ، فلا      
[ ص: 453 ] ضمان على الزوج فيهما ؛ لأنه وإن تعدى فليس لعدوانه أرش يضمن ، كما لو كان غاصبا وليس بزوج .  
فإن زادت قيمتهما بالعمل ، فالزيادة للزوجة دون الزوج ولا أجرة للزوج في عمله ؛ لأنه تبرع به وتعدى فيه .  
وإن نقص الصقر بطرحه على الثمرة ، ونقصت الثمرة بطرحها في الصقر ، فهذا على ضربين :  
أحدهما : أن يكون قد تناهى نقصهما واستقر ، فللزوجة أن تأخذهما وترجع على الزوج بأرش نقصانهما ، ولا خيار لها في الصقر والثمرة ؛ لأنه نقص في مغصوب قد جبر بالأرش .  
والضرب الثاني : أن يكون نقصهما لم يتناه ولم يستقر ، وكلما مر عليهما وقت بعد وقت حدث فيهما نقص بعد نقص ، ففيه قولان كالغاصب للطعام إذا بله وكان نقصه لا يتناهى فهو على قولين ، كذلك هذا :  
أحد القولين - وهو الظاهر من منصوص  
الشافعي      - : أنه يصير كالمستهلك ، فيكون للزوجة أن تطالبه بمثل الثمرة إن كانت ثمرا له مثل ، وبمثل الصقر إن كان سيلانا لم تمسه النار ولا خالطه الماء وإن لم يكن لهما مثل ؛ لأن الثمرة كانت رطبا والصقر قد مسته النار أو خالطه الماء ، فلها الرجوع بقيمة الصقر وقيمة الثمر .  
وإن كان لأحدهما مثل وليس للآخر مثل ، رجعت بمثل ذي المثل ، وقيمة غير ذي المثل ، فلو رضيت الزوجة بنقصان ثمرتها وصقرها ، أقرت عليها ولم ترجع ببدلهما .  
والقول الثاني - وهو تخريج الربيع ، وهو أصح القولين عندي - : أنهما لا يصيران مع بقاء العين مستهلكين ، وما يحدث من النقصان فيما بعد فمظنون مجوز ، وربما أرادت الزوجة أكل ذلك واستهلاكه قبل نقصانه .  
وإذا كان كذلك رجعت بأرش نقصهما في الحال ، ثم كلما حدث فيهما نقص رجعت بأرشه وقتا بعد وقت .  
فإن أخذت منه أرش نقصهما في الحال وأبرأته من أرش نقصهما في ثاني حال ، ففي صحة براءته منه وجهان :  
أحدهما : لا يصح ؛ لأنه أبرئ مما لم يجب .  
والثاني : يصح ، ويكون الإبراء كالإذن .  
وهذان الوجهان من اختلاف وجهي أصحابنا فيمن حفر بئرا في أرض لا يملكها فأبرأه المالك من ضمان ما يقع فيها .  
فهذا حكم نقص الثمرة والصقر .  
فأما إن نقص الصقر دون الثمرة : فلها أخذ الثمرة ، ويضمن نقص الصقر على ما مضى .   
[ ص: 454 ] وأما إن نقصت الثمرة دون الصقر ، فلا ضمان عليه في الصقر ، ويضمن نقص الثمرة على ما مضى .  
فصل : وأما الضرب الثاني : وهو أن يكون الصقر للزوج ، فيطرحه على ثمرة الزوجة ، فلا اعتبار بنقص الصقر ؛ لأنه ماله ، وبفعله نقص .  
فأما الثمرة ، فلها أربعة أحوال :  
أحدها : أن يكون تركها في الصقر غير مضر ، وإخراجها منه غير مضر : فلا ضمان عليه في الثمرة ، وعليه إخراج صقره منها ، ومئونة إخراجه عليه دونها .  
والحال الثانية : أن يكون تركها فيه مضرا ، وإخراجها منه مضرا ، فهو ضامن ، ويعتبر حال النقصان : فإن كان قد تناهى واستقر ، رد الثمرة وضمن أرش النقص ، وإن لم يتناه ولم يستقر ، فعلى ما ذكرنا من القولين :  
أحدهما : يصير كالمستهلك ، فيضمنها بالمثل إن كان لها مثل ، وبالقيمة إن لم يكن لها مثل .  
والقول الثاني : يضمن أرش كل نقص يحدث في وقت بعد وقت .  
والحال الثالثة : أن يكون تركها فيه مضرا ، وإخراجها منه غير مضر ، فيؤخذ جبرا بإخراجها منه ، ولا أرش عليه .  
والحال الرابعة : أن يكون تركها فيه غير مضر ، وإخراجها منه مضرا ، فهذا على ضربين :  
أحدهما : أن تكون الثمرة إذا أخرجت من الصقر صلحت لما لا تصلح له الثمرة إذا كانت في الصقر ، فأيهما دعا إلى إخراجها منه أجيب ، فإن أراد الزوج أخذ صقره كان عليه نقص الثمرة ، على ما ذكرنا من اعتبار حال النقصان في التناهي ، وإن أرادت الزوجة إخراج ثمرتها من الصقر أخذ الزوج بإخراجها وضمن نقصانها على ما مضى .  
والضرب الثاني : أن تكون الثمرة في الصقر تصلح لما لا تصلح له الثمرة إذا كانت خارجة من الصقر .  
فإن أراد الزوج صقره : لم يجبر على تركه ، وعليه إخراجه ، وعليه نقص الثمرة على ما مضى .  
وإن ترك صقره عليها : ففي إجبار الزوجة على قبوله وجهان :  
أحدهما : لا تجبر على القبول ؛ لأنها هبة غير متميزة ، ولها أن تأخذ الزوج بإخراج الثمرة وضمان نقصها .  
والوجه الثاني : تجبر على القبول ؛ لأنه جبران نقص ، ودفع ضرر ، وليس بهبة محضة . فهذا أحد شطري المسألة .  
فصل : وأما الشطر الثاني من المسألة : وهو أن تكون الثمرة موجودة على رءوس نخلها      
[ ص: 455 ] وقت الصداق ، ويجعلهما جميعا صداقا ، ثم يجد الثمرة ويجعلها في الصقر على ما ذكرنا . فهذا على ضربين أيضا :  
أحدهما : أن يكون الصقر من الثمرة .  
والثاني : أن يكون للزوج .  
فإن كان من الثمرة ، نظر ؛ فإن لم ينقص الصقر ولا الثمرة ، فلا غرم على الزوج ، ولا خيار للزوجة .  
وإن نقصا أو أحدهما : ترتب الحكم على اختلاف قوليه في تلف الصداق ، هل يوجب غرم القيمة أو مهر المثل ؟ .  
فإن قيل بالقديم إنه موجب للقيمة : فلا خيار للزوجة ؛ لأنه نقص مضمون بجناية ، وإنما يجب الخيار لها فيما لا يضمن بالجناية ليكون مضمونا بالفسخ ، فتأخذ الصقر والثمرة وترجع بأرش نقصها إن تناهى ، وإن لم يكن قد تناهى فعلى ما مضى من القولين .  
وإن قيل بالجديد إن تلف الصداق موجب لمهر المثل : فهي بالنقص الحادث في الثمرة بالخيار بين المقام والفسخ .  
وهل يكون لها الخيار بالنقص الحادث في الصقر أم لا ؟ على وجهين :  
أحدهما : لها فيه الخيار أيضا ؛ لأنه نقص فيما هو من جملة الصداق .  
والوجه الثاني : لا خيار لها ؛ لأنه وقت الصداق لم يكن صقرا فينفسخ بنقصانه ، وإنما كانت ثمرة صارت صقرا زائدا ، فإذا نقصت الزيادة التي لم يتضمنها الصداق لم يثبت لها خيار في الصداق اعتبارا بنقصان الولد الحادث ، فإذا ثبت لها الخيار بما ذكرنا ، فهي بالخيار بين أمرين :  
إما أن تقيم على الكل ، وإما أن تفسخ في الكل .  
فإن أقامت على الكل : أخذت النخل والثمرة والصقر ، ولا أرش لها سواء كان النقص متناهيا أم لا .  
وإن فسخت في الكل ردت النخل والثمرة والصقر ، ورجعت بمهر المثل زائدا كان أو ناقصا .  
فأما إن أرادت الفسخ في الثمرة والصقر لنقصهما والمقام على النخيل .  
فإن راضاها الزوج على ذلك جاز ، وإن أبى ففيه قولان من تفريق الصفقة :  
أحدهما : ليس لها ذلك إذا قيل : إن تفريق الصفقة لا يجوز ، ويقال لها : إما أن تقيمي على الكل أو تفسخي في الكل .  
والقول الثاني : يجوز لها ذلك إذا قيل : إن تفريق الصفقة يجوز ، فتقيم على النخيل بحسابه من الصداق وقسطه ، وترجع بقسط ما بقي في مقابلة الثمرة من مهر المثل .   
[ ص: 456 ] فصل : وأما الضرب الثاني : وهو أن يكون الصقر للزوج ، فإن لم تنقص الثمرة بتركها فيه ولا بإخراجها منه ، فلا خيار لها ولا غرم عليه .  
فإن نقصت كان على القديم ضامنا لأرش نقصها ، ولا خيار لها . وعلى الجديد لا أرش لها ، وتكون بالخيار بين الفسخ في جميع الصداق والرجوع بمهر المثل ، أو المقام عليه من غير أرش .  
فإن أرادت الفسخ في الثمرة لنقصها ، والمقام على النخل ، فعلى ما ذكرنا من القولين في تفريق الصفقة .  
فإن طالبت بمثل الثمرة الناقصة لم يكن لها ذلك سواء قيل : إن تلف الصداق موجب لقيمته ، أو قيل : إنه موجب لمهر المثل ؛ لأنه إن قيل بوجوب مهر المثل ، فلا وجه للمثل ولا للقيمة ، وإن قيل بوجوب القيمة أو مثل ذي المثل فذاك إنما يكون مع التلف كالمستهلك بالغصب .  
فأما في نقصانه مع بقائه ، فلا حق في الرجوع بمثله كالمغصوب إذا نقص في يد غاصبه .  
فإن قيل : فقد نقل  
المزني   عن  
الشافعي   في سواد هذه المسألة كان لها الخيار في أن تأخذه أو تأخذ مثله أو مثل صقره .  
قيل : قد كان  
أبو حامد الإسفراييني   ينسب  
المزني   إلى السهو في نقله . وأنه خطأ منه في الحكم ؛ لأن أصول  
الشافعي   تدفعه على ما ذكرنا .  
والذي أراه : أن نقل  
المزني   صحيح ، ولم يكن منه سهو فيه ، ولكنه محمول على النقص الذي لا يتناهى على أحد قولي  
الشافعي   إذا كان في الثمرة الحادثة بعد العقد ، أو في المتقدمة إذا قيل بالقديم إن تلفه موجب بمثل ذي المثل ، وقيمة غير ذي المثل فيكون عدم التناهي في نقصانه موجبا للرجوع بمثله في أحد قولي  
الشافعي ؛   لأنه يجعله بعد تناهي نقصانه كالمستهلك ، والله أعلم .